إقرأوا التاريخ :
( من لم يقرأ التاريخ : محكوماً عليه أن يعيشه مرة ثانية ) ؟
( ان لم تكن تقرأ فلا تلوم الناس على جهلك ) ؟
.
أتظنُ أنٌك قد طمستَ هويتي ومحوتَ تاريخي ومعتقداتي
عبثاً تحاولُ لا فناءَ لثائرٍ أنا كالقيامةِ ذاتَ يومٍ آتِ
2015-06-18
* بعض من سيرة الائمه الاطهار من الامام الحسن بن علي عليه السلام الى الامام الطيب ابو القاسم عليهم السلام
#منقوول
بعض من سيرة الائمه الاطهار من الامام الحسن بن علي عليه السلام الى الامام الطيب ابو القاسم عليهم السلام .
الامام المسموم المستودع الحسن بن علي عليه السلام :
مولـد النور:مكث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مكة المكرمة فترة من الوقت كان يواجه خلالها حرباً إعلامية من قبل رجال قريش، بهدف إقامة جدار بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمجتمع كمحاولة لفصل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اجتماعياً تحت مبررات مختلفة.وكان من وسائل هذه الحرب القذرة بثّ الشائعات والأضاليل الباطلة والمزيفة في أوساط الرأي العام القرشي والمكّي منها: أنّ رسول الله أبتر لا عقب له ولا خلف. ولقد سرت هذه الشائعة بين المجتمع المكي ممّا ترك في نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعض الحزن والتأثر.ولكن الله سبحانه وتعالى أبطل هذه الأكذوبة، وبشّر رسوله بأن أعطاه فاطمة سيدة نساء العالمين وسيكون أبناؤه منها وهم اللذين سيشكلون امتداد الرسالة من بعده.وفي السنة الثالثة للهجرة في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، جاء الوعد الإلهي بأن ولد الإمام الحسن (عليه السلام) ممّا بعث في نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تباشير الفرح والسرور بأن حقق الله عز وجلّ وعده وبأن ردّ كيد الأعداء من مشركي مكة، ولذلك بقدر ما كان مولد الإمام الحسن (عليه السلام) يضفي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) السعادة والبشرى، كانت زعامات قريش وأقطاب مكة تعض الأنامل وتتقطع من الغيظ والحقد لفشل المؤامرة الإعلامية ضد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..وكانت الولادة المباركة في المدينة المنورة حيث استقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبطه الحسن سيد شباب أهل الجنة وبدا عليه الارتياح وقام من ساعته إلى بيت الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) ونادى يا أسماء أين ولدي؟ فأسرعت به أسماء بنت عميس إلى جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وقد لفّ الحسن (عليه السلام) في خرقة، فقدمته إلى جدّه (صلّى الله عليه وآله) فاستقبله والبشرى تلوح على وجهه، فأخذ ابنه برفق، وضمه إليه وراح يلثمه بعطفه وحنانه، ثم بدأ يقطر أذنيه بالإيمان، ويعصر في روحه آيات التكبير والتهليل، فكان غذاؤه الأول: الله أكبر.. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله.. أذّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى ثم أقام في اليسرى، لتكون هذه الكلمات القصار، الكثيرة والكبيرة بمحتوياتها أنشودة الإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) في كل مراحل حياته يحاول غرسها بكل ما لديه من جهد في أعماق النفوس لتكون أنشودة الحياة جيلاً بعد جيل. وجاء الإمام علي (عليه السلام) إلى فاطمة وسألها عن اسم المولود، أجابته: ما كنت لأسبقك، فأردف عليّ (عليه السلام) قائلاً: وما كنت لأسبق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فجاء الإمام علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسأله عن اسم المولود، فأجاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وما كنت لأسبق ربّي. فنزل جبرائيل من السماء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال له: إن الجليل يقرؤك السلام ويقول لك اسمه حسن، فكان كذلك. ثم عق عنه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضةً فكان وزنه درهمان وشيئاً، وأمر فطلي رأسه طيباً، وسُنّت بذلك العقيقة والتصدّق بوزن الشعر وكنّاه (أبا محمد). ولا كنية له غيرها
.ألقـابه:
أشهر ألقابه: التقي والزكي والسبط وعرف غيرها كالسيد والمجتبى والطيب والولي
زوجاته:
تزوج (أم إسحاق) بنت طلحة بن عبيد الله، و(حفصة) بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، و(هند) بنت سهيل بن عمرو، وجعدة بنت الأشعث بن قيس، وهي التي أغراها معاوية بقتله فقتله بالسم.وقد تحدث المؤرخون عن زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) وأكثروا ومال أكثرهم إلى المبالغة في تعدادهن مبالغة لا تعتمد على أساس معقول.
أولاده:
كان له خمسة عشر ولداً ما بين ذكر وأنثى وهم: زيد، أم الحسن، أم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية. الحسن، أمه خولة بنت منصور الفزارية. عمر والقاسم وعبد الله، أمهم أم أولد. عبد الرحمن، أمه أم ولد. الحسين الملقب بالأشرم وطلحة وفاطمة أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي. أم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية، لأمهات شتى ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد
أوصـافه:
(لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الحسن بن عليّ (عليهما السلام) خلقاً وخُلقاً وهيأة وهدياً وسؤدداً).بهذا وصفه واصفوه. وقالوا: (كان أبيض اللون مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية، جعد الشعر ذا وفرة، كان عنقه إبريق فضة، حسن البدن، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الكراديس، دقيق المسربة، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحاً من أحسن الناس وجهاً
أو كما قال الشاعر:
ما دب في فطن الأوهام مـن حسـنٍ إلا وكــان لــه الـحـظ الخـصـوصـيّ
قد جلّ عن طيب أهل الأرض عنبرهومسـكـه فـهـو الطـيـب الـسـمـاويّ
فالإمام الحسن (عليه السلام) حاز على صفات جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في خَلقِه وخُلُقِه حتى أن المسلمين إذا اشتاقوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نظروا إلى ابنه الحسن (عليه السلام) يقول أبو جحيفة: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان الحسن بن علي يشبهه)
ويقول أنس: (لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الحسن بن علي (عليه السلام) وقد أورد الشيخ المفيد في الإرشاد أنه: كان الحسن بن علي (عليهما السلام) يشبه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم ) من صدره إلى رأسه والحسين يشبهه (صلّى الله عليه وآله وسلم) من صدره إلى رجليه).وقال أيضاً: (كان الحسن (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خَلقاً وخُلقاً وهيأة وهدياً وسؤدداً).وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) للحسن ذات مرة: (أشبهت خَلقي وخُلقي)
وقال واصل بن عطاء: (كان الحسن بن علي (عليهما السلام)، عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك)
جده لأمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، جده لأبيه أبو طالب ، جدته لأمه خديجة بنت خويلد ، جدته لأبيه فاطمة بنت أسد ، أبوه علي أمير المؤمنين عليه السلام ، أخوه لأمه وأبيه الإمام الحسن عليه السلام ، أخواته لأمه وأبيه زينب الكبرى، أم كلثوم عليهما السلام .
ولادتـه
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان (1) سنة أربع للهجرة، ولما ولد جيء به إلى جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاستبشر به، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحنكه بريقه، فلما كان اليوم السابع سماه حسيناً، وعقّ عنه بكبش، وأمر أمه عليها السلام أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ولادة الحسين عليه السلام وصباه .
صفـته
كان أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كثّ اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة، نشأ في ظل جده الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان هو الذي يتولى تربيته ورعايته ألقـــــــــــابه الرشيد، الوفي، الطيب، السيد، الزكي، المبارك، التابع لمرضاة الله، الدليل على ذات الله، السبط، سيد شباب أهل الجنة حياته مع أبيه لازم أباه أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضر مدرسته الكبرى ما يناهز ربع قرن. اشترك في حروب أبيه الثلاث: الجمل، صفين، النهروان زوجاته ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي، شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس الرباب بنت امرئ القيس بن عدي أولاده الإمام زين العابدين، علي الأكبر، جعفر، عبد الله بناته سكينة، فاطمة، رقية حياته مع أخيه بعده بايع لأخيه الحسن عليه السلام بعد مقتل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام سنة 40 هـ وبلغ به الاحترام لمقام الإمامة والأخوة ما ذكر الطبرسي عن الإمام الصادق عليه السلام: ما مشى الحسين بين يدي الحسن عليه السلام قط ولا بدره بمنطق إذا اجتمعا تعظيماً لهوعاش بعد أخيه الحسن (عليه السلام) عشر سنين كان فيها الإمام المفترض الطاعة ـ على رأي طائفة عظيمة من المسلمين وسبط الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وريحانته وثاني الثقلين اللذين خلفهما صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأمة ـ الكتاب والعترة ـ وسيد شباب أهل الجنة بإجماع المسلمين خرج من المدينة بأهله وصحبه متوجهاً إلى مكة ممتنعاً عن بيعة يزيد وكان خروجه ليلة الأحد ليومين بقيا من شهر رجب سنة 60 هـ وهو يتلو قوله تعالى: فخرج منها خائفاً يترقب قال ربي نجني من القوم الظالميندخل مكة لثلاث مضين من شعبان سنة 60 هـ وهو يتلو قوله تعالى: ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيلوافته كتب أهل الكوفة ووفودهم بالبيعة والطاعة حتى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتابأرسل من مكة ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة سفيراً وممثلاًبلغه أن يزيد بن معاوية أرسل إليه من يغتاله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبةخرج من مكة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ـ يوم التروية ـ سنة 60 هـ بعد أن خطب فيها معلناً دعوتهدخل العراق في طريقه إلى الكوفة ولازمه مبعوث ابن زياد ـ الحر بن يزيد الرياحي ـ حتى أورده كربلاءوصل كربلاء في اليوم الثاني من المحرم سنة 61 هجريةوما إن حط رحله بكربلاء حتى أخذت جيوش ابن زياد تتلاحق حتى بلغت ثلاثون ألفاً .
من هنا كان الخلود حقيقة حية لرسالات السماء، ولرسل السماء، ورجالات المبدأ والعقيدة... وفي دنيا الإسلام، تاريخ مشرق نابض بالخلود... وفي دنيا الإسلام، قمم من رجال صنعوا العظمة في تاريخ الإنسانية، وسكبوا النور في دروب البشرية. وإذا كان للتاريخ أن يقف وقفة إجلال أمام أروع أمثولة للشموخ... وإذا كان للدنيا أن تكبر لأروع تضحية سجلها تاريخ الفداء... وإذا كان للإنسانية أن تنحني في خشوع أمام أروع أمثولة للبطولة... فشموخ الحسين وتضحية الحسين، وبطولة الحسين، أروع أمثلة شهدها تاريخ الشموخ والتضحيات والبطولات. الحسين بن علي (عليه السلام) قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وعملاق من عمالة البطولة والفداء. فالفكر يتعثر وينهزم، واليراع يتلكأ ويقف أمام إنسان فذّ كبير كالإمام الحسين، وأمام وجود هائل من التألق والإشراق، كوجود الحسين... وأمام إيمان حي نابض، كإيمان الحسين... وأمام سمو شامخ عملاق كسمو الحسين... وأمام حياة زاهرة بالفيض والعطاء كحياة الحسين.. إننا لا يمكن أن نلج آفاق العظمة عند الإمام الحسين، إلا بمقدار ما نملك من بعد في القصور، وانكشاف في الرؤية، وسمو في الروح والذات... فكلما تصاعدت هذه الأبعاد، واتسعت هذه الأطر، كلما كان الانفتاح على آفاق العظمة في حياة الإمام الحسين أكثر وضوحاً، وأبعد عمقاً... فلا يمكن أن نعيش العطاء الحي لفيوضات الحسين، ولا يمكن أن تغمرنا العبقات النديّة، والأشذاء الرويّة، لنسمات الحياة تنساب من أفق الحسين. ولا يمكن أن تجللنا إشراقات الطهر، تنسكب من أقباس الحسين.. إلا إذا حطمت عقولنا أسوار الانفلاق على النفس، وانفلتت من أسر الرؤى الضيقة، وتسامت أرواحنا إلى عوالم النبل والفضيلة، وتعالت على الحياة المثقلة بأوضار الفهم المادي الزائف. فيا من يريد فهم الحسين، ويا من يريد عطاء الحسين، ويا من يتعشق نور الحسين، ويا من يهيم بعلياء الحسين، افتحوا أمام عقولكم مسارب الانطلاق إلى دنيا الحسين، اكسحوا من حياتكم أركمة العفن والزيف، حرّروا أرواحكم من ثقل التيه في الدروب المعتمة، عند ذلك تنفتح دنيا الحسين، وعند ذلك تتجلى الرؤية، وتسمو النظرة، ويفيض العطاء، فأعظم بإنسان.. جدّه محمد سيد المرسلين، وأبوه علي بطل الإسلام الخالد، وسيد الأوصياء، وأمه الزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين، وأخوه السبط الحسن ريحانة الرسول، نسب مشرق وضّاء، ببيت زكي طهور ، فكانت حياته (عليه السلام) زاخرة بالفيض والعطاء، وكانت حياته شعلة فرشت النور في درب الحياة، وشحنة غرست الدفق في قلب الوجود.
وفاته :
استشهد هو وأهل بيته وأصحابه في اليوم العاشر من المحرم سنة 61 هـ حمل رأسه الشريف إلى الكوفة في ليلة الحادي عشر من المحرم حملت عائلته من كربلاء في اليوم الحادي عشر وجيء بهم إلى الكوفة سبايا، ثم حملوا منها إلى الشام. دفنه ابنه زين العابدين (عليه السلام) في اليوم الثالث عشر من المحرم.
علي زين العابدين بن الحسين بن علي عليهما السلام ليس في تاريخ هذا الشرق، الذي هو مهد النبوات من يضارع الإمام زين العابدين (عليه السلام) في ورعه وتقواه، وشدة إنابته إلى الله، اللهم إلا آباؤه الذين أضاءوا الحياة الفكرية بنور التوحيد، وواقع الإيمان. لقد حكت سيرة هذا الإمام العظيم سيرة الأنبياء والمرسلين، وشابههم بجميع ذاتياتهم، واتجاهاتهم، فهو كالمسيح في زهده وإنابته إلى الله، وكالنبي أيوب في بلواه وصبره، وكالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في صدق عزيمته وسمو أخلاقه، فهو زين العابدين ولم يُمنح لأحد هذا اللقب سواه. وبرز الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ، فقد استطاع بمهارة فائقة أن ينهض بمهام الإمامة وإدامة نهضة أبوه الإمام الحسين (عليه السلام)، برغم ما به من قيد المرض وأسر الأمويين. لقد حقق الإمام (عليه السلام) هذه الانتصارات الباهرة من خلال خطبتين ألقاها على الجماهير الحاشدة في الكوفة وفي الشام والتي كان لها الأثر البالغ في إيقاظ الأمة وتحريرها من عوامل الخوف والإرهاب. لقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات، وظل يلقي الأضواء على معالم الثورة الحسينية، ويبث موجاتها على امتداد الزمن والتاريخ. وكان من مظاهر تخليده للثورة الحسينية كثرة بكائه على ما حل بأبيه وأهل بيته وأصحابه من أهوال يوم الطف، وكان لهذا الأسلوب الأثر الكبير في نفوس المسلمين وفي تحرير الإنسان من الظلم والعبودية والطغيان ورفضهما. وكان للإمام زين العابدين (عليه السلام) الدور الكبير في إنارة الفكر الإسلامي بشتى أنواع العلوم والمعارف، وقد دعا ناشئة المسلمين إلى الإقبال على طلب العلم، وحثهم عليه، وقد نمت ببركته الشجرة العلمية المباركة التي غرسها جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقبل الناس بلهفة على طلب العلم ودراسته فكان حقاً من ألمع المؤسسين للكيان العلمي والحضاري في دنيا الإسلام. أما الثروات الفكرية والعلمية التي أثرت عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) فإنها تمثل الإبداع والانطلاق والتطور، ولم تقتصر على علم خاص، وإنما شملت الكثير من العلوم كعلم الفقه والتفسير وعلم الكلام، والفلسفة وعلوم التربية والاجتماع، وعلم الأخلاق الذي اهتم به الإمام (عليه السلام) اهتماماً بالغاً، ويعود السبب في ذلك إلى أنه رأى انهيار الأخلاق الإسلامية، وابتعاد الناس عن دينهم من جراء الحكم الأموي الذي حمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية فانبرى عليه السلام إلى الإصلاح وتهذيب الأخلاق. إن المثل التي نشرها الإمام السجاد (عليه السلام) تبهر العقول وتدعو إلى الاعتزاز والفخر لكل مسلم بل لكل إنسان يدين للإنسانية ويخضع لمثلها وقيمها. ومن الحق أن يقال أن هذا الإمام الملهم العظيم ليس لطائفة خاصة من الناس، ولا لفرقة معينة من الفرق الإسلامية دون غيرها، وإنما هو للناس جميعاً على اختلاف عصورهم، بل وعلى اختلاف أفكارهم وميولهم واتجاهاتهم، فإنه سلام الله عليه يمثل القيم الإنسانية والكرامة الإنسانية، ويمثل كل ما يعتزّ به هذا الإنسان من الكمال والآداب، وسمو الأخلاق وكان المسلمون يرون في سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) تجسيداً حياً لقيم الإسلام وامتداداً مشرقاً لجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فهو يحكيه في منهجه وسيرته ومآثره وقد ملك القلوب والعواطف بأخلاقه الرفيعة، وكانوا لا يرون غيره أهلاً لقيادتهم الروحية والزمنية، ولهذا عمدوا إلى اغتياله كما اغتالوا غيره من أئمة المسلمين، وأعلام الإسلام من الذين يشكلون خطراً عليهم. مولـــــــــــــــــده:هو أبو الحسن بن الحسين المعروف ( بزين العابدين ) ولد 15جمادى الأول سنة 38 هـ بالمدينة المنورة.أمه شهر بانو بنت كسرى يزد جرد واسمها جهان شاه . نص عليه بالامامه أبان معارك كربلاء . حاول بعض ألاثمين الموتورين القضاء عليه بعد استشهاد أبيه في معركة كربلاء وهو يقاسى مرضا شديدا ولكن أين لهم ذلك بعد أن أصبح صاحب السر الخفي ( أيريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متمم نوره ولو كره الكافرون ) بعد انتهاء معركة كربلاء اقتيد أسير مغلولا بالحديد مع النساء والصبيان إلى الكوفة حيث عرضوا جميعا على ابن زياد . - سأله ابن زياد ما أسمك : قال أنا العلي ابن الحسين - قال ابن زياد : ألم يقتل الله علي ابن الحسين ؟ - قال علي : كان لي أخا يسمى عليا قتله الناس .- قال ابن زياد : الله قتله . - قال علي : الله يتوفى الأنفس حين موتها ، ومكان لنفس أن تموت إلا بأذن الله . فأدهشت جرأته وشجاعته ابن زياد فأخذته عزة الاثم فصاح الخبيث اللعين بجنده وكأنه لم يكتفي بما فعل :أخرجوا به فأضربوا عنقه . - فقال علي : من يتوكل بهولاء النسوة إذا قتلتني ؟ فتعلقت به عمته زينب وهى تقول أقتلنا معه إذا كنت تريد قتله. ولأمر يريده الله أرتد الخبيث مشدوها من تلك البطولة النادرة والتضحية الفذة . وقال: دعوه لما به لعل العلة ستقضى عليه . وأمر فغل بغل إلى عنقه وأرسل مع النسوة إلى يزيد . ولم يكلم احد طوال الطريق حتى وصلوا دمشق ولما علم يزيد بوصولهم دعا أشراف الشام وأجلسهم حوله ثم ادخل العلي ابن الحسين مغلولا ففك الأغلال عن عنقه وقال له : يا علي ! أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما رأيت . فقال علي : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فآتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) سورة الحديد الايه ( 22 ، 23) فقال يزيد لابنه خالد ( وكان ابن يزيد اكبر من علي سنا ) أردد عليه يا بنى . فما عرف خالد ما يقول فسكت يزيد وأبنه . وليس هذا بغريب على الامام زين العابدين . فطلب أحد الحضور أن يهبه يزيد سيده من آل البيت وهى ( فاطمة بنت الحسين ) فقالت له زينب : كذبت ولؤمت ما ذاك لك وله . وألح ثانيه فقال له يزيد: أغرب وهب الله لك حتفاً قاضياً .وطلب يزيد من علي أن يصعد المنبر فيخطب معتذرا إلى الناس عما كان من أبيه .فصعد المنبر رابطا الجأش ،رافعا الرأس ،موفور الكرامة، فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي. أنا علي ابن الحسين ، أنا ابن البشير النذير أنا ابن الداعي إلى الله بأذنه ، أنا ابن السراج المنير ،...... إلى أخر الخطبة ) ويظهر أن يزيد قد ندم على ما جنته يداه وأحب أن يكفر عما فاته فطلب من النعمان بن بشير واليه على الكوفة سابقاً أن يصحب أهل الحسين إلى المدينة وأن يحسن حالهم .وعندما ودع يزيد الامام علي زين العابدين قال ( لعن الله ابن مرجانه أما والله لو أنى صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت يا بنى ، كاتبني من المدينة وأطلب كل حاجة تكون لك ).ولكن ماذا ينفع الندم بعد تلك الجريمة النكراء التى أقترفها ذلك الفاجر .وقيل بأن يزيد كساهم وأوصى بهم النعمان فخرج بهم ومعه ثلاثون فارس وساروا حتى دخلوا المدينة فاستقبلوا استقبالا تفتتت لهوله الأكباد بالبكاء والعويل وخرجت النساء من أهل المدينة وإحداهن ثائرة شعرها وهي تقول : ماذا تقولون إن قـال النبـي لكـممـاذا فعلـتـم وأنـتـم أخــر الأمــم بعتـرتـى وأهـلـي بـعـد مفـتـقـديمنهم أساري وقتلى ضرجوا بدم وقد عول الامام زين العابدين على الإقامة في مكة لينشر دعوته سراً فيها وأوفده دعاته المخلصين إلى الأقطار والأمصار وكانت أكثر شيعته تقطن العراق وفارس ،و لبث الامام زين العابدين طوال إقامته في مكة مراقباً من الولاة الأمويين حتى أعلن موت يزيد في العاشر من صفر سنة 64 هجرية ودفن في حوارين .وقد مر احد الشعراء على حوارين بعد موت يزيد فشاهد قبره فيها فقال : أيــهــا الـقـبــر بـحـواريـنــاضممت شر الناس اجمعينا ويكفى لذكر مكانة الامام علي زين العابدين أن نذكر القصة التاريخية الآتية : لما حج هشام بن عبدالملك في عهد أبيه وطاف بالبيت الحرام وحاول أن يلمس الحجر الأسود لم يستطع لكثرة الازدحام فبينما هو كذلك إذ أقبل الامام علي زين العابدين فطاف بالبيت حتى إذا ما وصل للحجر الأسود انشقت له الصفوف ومكنته من لمس الحجر الأسود فقال رجل من أهل الشام لهشام من هذا الذي خافه الناس؟ فخاف هشام أن يذكر أسمه فقال : لا أعرفه ، وكان الشاعر الاسماعيلي الكبير الفرزدق حاضراً قال أنا أعرفه وأنشد قصيده المشهورةلما سمع هشام هذه القصيدة العصماء غضب غضباً شديداً وصغر في عيون الجمع وأن يحبس الشاعر بين مكة والمدينة.نســــــــاؤة وبنــــــيه :تزوج فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب فولد حسن وحسيناً لا عقب لهما وأبا جعفر محمد الباقر ، عبدالله ومن أم أخرى ولد زيد وعمر وعلياً وخديجة ومحمد الأوسط وعبد الرحمن وسليمان والقاسم وحسين الأصغر وعددهم ثلاثة عشر أعقب منهم ستة والباقين لا عقب لهم .وفاتـــــــــــــه:وتوفي الامام زين العابدين بعد أن نص على إمامة ولده محمد الباقر ودفن في روضة البقيع في قبر عمه الحسن بن علي سنة 94 للهجرة وكان عمره 57 عاماً .واشتهر بالزهد والعبادة والورع والتقوى ولذلك لقب بزين العابدين .
الامام محمد البا قـــــــــــر عليه السلام فرعٌ من فروع الدوحة النبوية الشريفة، هو من النادرين في تاريخ الأرض وقد تميز تميزاً واضحاً يلفت النظر إلى الشكل والمضمون في العلوم التي بقرها، كأنه من نسيج الفضاء، لا تحده حدود، إنه محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام). لبس درع الرسالة الإسلامية فوجد في كل حلقة فيه نبضة قلب تتفجر عزيمة، والعزيمة تشع كضوء يتماوج بألف لون ولون. ثم نظر إلى موقع قدميه فلمح كوة تتفتح على الجنة فيها آباؤه وأجداده الأطهار، ورفع بصره إلى فوق فإذا بنسمة عريضة من الفم الملائكي وكأنها تقول له: سر في درب الحق وأسرع في العطاء النبيل الجليل فأنت محوط بالعناية الإلهية. نقف بإجلال وتقدير كبيرين عند إشراقة من حياة الإمام الخامس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عند أبي جعفر (عليه السلام) مجمع الفضائل، منتهى المكارم سبق الدنيا بعلمه وامتلأت الكتب بحديثه، وليس من نافلة القول في شيء إن قلنا أن الإمام أبا جعفر كان من أبرز رجال الفكر ومن ألمع أئمة المسلمين، ولا غرو من أن يكون كذلك بعد أن سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالباقر في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، لأنه بقر العلم بقراً، أي فجّره ونشره فلم يُروَ عن أحد من أئمة أهل البيت، بعد الإمام الصادق (عليه السلام)، ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، فها هي كتب الفقه والحديث والتفسير والأخلاق، مستفيضة بأحاديثه، مملوءة بآرائه فهو يغترف من معين واحد: كتاب الله وسنة رسوله، وما أودع الله من العلم اللّدُنيّ بصفته من أئمة الحق وساسة الخلق وورثة الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله). كان الإمام الباقر (عليه السلام) الرائد والقائد للحركة العلمية والثقافية التي عملت على تنمية الفكر الإسلامي، وأضاءت الجوانب الكثيرة من التشريعات الإسلامية الواعية التي تمثل الأصالة والإبداع والتطور في عالم التشريع. لقد ترك الإمام الباقر (عليه السلام) ثروة فكرية هائلة تعد من ذخائر الفكر الإسلامي، ومن مناجم الثروات العلمية في الأرض وفتق أبوابها، وسائر الحكم والآداب التي بقر أعماقها، فكانت مما يهتدي بها الحيران، ويأوي إليها الضمآن، ويسترشد بها كل من يفيء إلى كلمة الله. لقد كانت حكمه السائرة وآدابه الخالدة من أبرز ما أثر عن أئمة المسلمين في هذا المجال، فقد ملأت الفكر وعياً وأترعت القلب إيماناً ومكنت النفس ثقة وصقلت الروح جلالاً وصفاءً. وللإمام الباقر (عليه السلام) الدور العظيم في تفسير القرآن الكريم فقد استوعب اهتمامه فخصّص له وقتاً، ودوّن أكثر المفسرين ما ذهب إليه وما رواه عن آبائه في تفسير الآيات الكريمة. نعم إن الظروف التي مرّت على الإمام الباقر (عليه السلام) كانت مواتية، فاستغل (عليه السلام) هذه الفرصة الذهبية ونشر ما أمكنه نشره من العلوم والمعارف، فأتمّ ما كان والده قد أسّسه. وهكذا كانت هذه الكواكب من آهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) كواكب مشرقة على مفارق الطرق، كل واحد منهم قام بدوره على أكمل وجه وفي ظروفه وأوضاعه. وقد وقف الإمام الباقر (عليه السلام) حياته كلها لنشر العلوم الإسلامية ونشر المثل الإنسانية بين الناس، وعاش في يثرب كالينبوع الغزير يستقي منه رواد العلم من نمير علومه وفقهه ومعارفه، عاش لا لهذه الأمة فحسب، وإنما عاش للناس جميعاً. مولــــــــده:ولد أبو جعفر محمد بن علي زين العابدين المعروف ( بالباقر ) سنه 57 هــ في المدينة المنورة وأمه أم عبدالله فاطمة بنت الحسين ابن الحسن ابن علي بن أبى طالب . كان عالما كبيراً و فقيهاً مرموقا وحجة يأتيه الناس أفواجا .حيث يحكى إن رجلا سأله يوما سؤالاً فيه شيئا من الطرافة :- هل ورث النبي جميع علم الأنبيـــــــــــاء ؟ - قال الامام الباقــــــر : نعـــــــــــم .- قال : هل ورثتــــــــها أنت !!- فقال الباقر : نعــــــــــم .- قال : وهل تستطيع أن تحيي الميت وتبرئ الأعمى ؟- قال : نـــــــــــعم بأذن الله تعالى. ومسح بيده على عين رجل فعمي ثم أعاد له بصــــــــره . وكان الامام الباقر يبحث شتى العلوم ويعرف الغيب وتنسب له أحدى وثلاثون معجزه منها : يحكى إن رجلا جاءه يوما وهو شديد الحاجة وأن أباه دفن مالا وأخفاه عنه ومات دون أن يعلم به احد.فكتب له الامام كتابا ً سلمه إياه وقال له : اذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسطه ثم ناد ( يا درجان ) فيأتيك رجل فسأله عما بدا لك وقل له أنا رسول الامام الباقر ، ففعل الرجل ما أمر به وطلب أباه فجئ به وقد غيره اللهب ودخان الجحيم فأعترف الوالد بذنبه وأخبره بمكان الماء وأمر أن يدفع للإمام الباقر خمس ذلك المال وقدره خمسين ألف دينار . وروى إن الامام الباقر جاء وادي فيروز فأمر أن تنصب له خيمة وعمد إلى نخلة يابسة هناك فدعا الله ثم تمتم بكلمات لم يسمعها أحد وقال أيتها النخلة أطعمينا مما جعل الله فيك فأثمرت النخلة من ساعتها وسقط عليه الرطب فأكل وأكل معه أبو أمية الأنصاري ، فقال له الامام يا أبا أمية هذه معجزة مريم فقد هزت جذع النخلة فتساقط عليها رطباً جنياً ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ) ( لماذا لقب بالباقر..؟؟)لتبــــــــقره بالعلم وتعمقه فيه.نساؤه وبنيه :تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد فكان منها جعفر الصادق ( أعقب ) وعبدالله وابراهيم وعبيدالله (لا عقب لهم ).وفاتــــــــــــــــــه:توفي في السابع من ذو الحجة سنة 114 هـ وكان عمره خمسون عاما في الحميه ونقل جثمانه إلى المدينة المنورة ودفن في روضة البقيع.
الامام جعفر الصادق عليه السلام نحن أمام بحر طامٍ عمّ جوده وبدرٍ سام أشرق وجوده، نحن أمام شمس المعارف الكبرى وأستاذ الأئمة وقائد جميع الأمة، الذي لم يُرَ إلا صائماً أو قائماً أو قارئاً للقرآن. نسب أزهر في التاريخ فحول الصحاري إلى أزاهير، وحَسَبٌ تجاوز في علوّه المريخ فسطعت منه المجامير، وعزمٌ فلّ به حراب الدهر وحلم ملأ به إهاب الفخر، وبحر بعيد قعره، زخّار موجه، يفيض عطاءً دون توقّف، حتى شهد بفضله القاصي والداني مسحت شمس هُداه دياجير الجهل وأضاءت تعاليمه كل حنايا الروح والعقل. منهله عذب لروّاده، ومنتج لقصّاده. يزدحم أهل الفضل في رحابه، ويشرفون بتقبيل أعتابه. والكل يرجعون بطاناً مرويّين يشهدون بقوة حجته وشدة عارضته، يذعنون له تسليماً واطمئناناً، ويعترفون بمرجعيته تقديراً واحتراماً. لقد مني الإمام الصادق (عليه السلام) بعصر أقلّ ما فيه أنه عصر الاتجاهات غير المتجانسة فكان (عليه السلام) يجمع بين المتفرقات ويفرق بين المجتمعات. مدرسة سيارة ولكنها شاملة ومستوعبة لكل ما تحتاجه الأئمة في حاضرها ومستقبلها معبّراً عن طموحها وتطلعاتها. والده بقر العلم بقراً وأورثه ما عنده من أدب كأحسن ما يرام، حتى بزّ الأولين والآخرين عدا ما استثني، فإن الله تبارك وتعالى سخّره لإكمال السلسلة وقيادة المرحلة. يهدي التائهين من جانب، ويعلم الجاهلين من جانب آخر. يخاطب الناس على قدر عقولهم ويؤدبهم بحسب استعدادهم، يظهر على الزنادقة فيطبّعهم، وعلى الفياهقة فيطوّعهم. وكم نصبوا له المكائد ليوقعوه فيها ولكنه كان أحذر وأجرأ من أسد. يعالج الأمور بحكمة علي وصبره، وقوة الحسين وجهاده، له من جدّه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى والقدرة الحسنى، لم تغرّه بهارج الدنيا وزينتها، ولم يجرِ إلى بعض مزالقها. وأثبت أنه الأعلم والأفقه، بل الأستاذ الأوحد في تلك الدنيا التي كثر فيها العلماء وكانوا ظاهرتها الأبرز. والإمام الصادق (عليه السلام) استطاع بواسع علمه ورحابة صدره أن يستوعب الجميع ويعلم الأئمة المتأخرين، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ويثبت أستاذيته للمدارس الفكرية والجامعات العلمية كلها، حتى أصبح حديث الناس وشغلهم الشاغل. ولشدة إقبال الناس إليه وتتلمذ العلماء عليه وتأسيسه المدارس وتخريجه العلماء نسب المذهب الجعفري إليه، وانعطف الموالون لأهل البيت إليه مع أنه جزء من السلسلة المباركة. لكن الوضوح الذي حدث في عصره والانتصار الثقافي الكبير الذي حققه جعل الاتجاه الثقافي والإعلامي يميل نحوه بالخصوص. وبعبارة صريحة كان ينشر مذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بصِيَغ متطورة كحاضر سعيد ومستقبل اجتماعي متقدم. إن الأقوال والنعوت التي تُبرز دور الإمام الصادق (عليه السلام) وتظهر علوّ مقامه وسموّ فضله قد صدرت عن كبار علماء الإسلام من شتى الفرق والمذاهب، وما زالت آثارها باقية حتى الآن، والحوزات العلمية اليوم هي امتداد لتلك الحوزة العلمية العظيمة، ومن تراث ذلك الإمام الهمام. والإمام الصادق هو صاحب مدرسة عظيمة جداً مدت جذورها عمق التاريخ وبقيت مباركة طيبة، أصلها راسخ في الأرض وفروعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. وصاحب هذه المدرسة وحده موسوعة علمية، تقف وراء طاقاته التكوينية المتينة أسباب جليلة ساهمت جميعها في شحن المعارف الواسعة إلى فكره المركّز، وإرادته المعتصمة بالمران الأصيل. وكانت تلك المعارف والطاقات المباركة كلها تصب في بوتقة واحدة هي بوتقة بناء مجتمع صالح وفرد يعيش حرية الفكر وحرية الإنسانية وعبودية الباري عز وجل. مولـــــــــده:ولد أبو عبدالله جعفر بن محمد الباقر المعروف ( بالصادق ) في السابع عشر من ربيع الأول سنة 83هـ في المدينة المنورة أمه فروة بنت القاسم بن محمد ، كان كثير الاحترام لأمه ، عاش بعيداً عن غمار السياسة ومتاعبها ما جعله بعيداً عن اضطهادات الأمويين والعباسيين.ويذكر المسعودي إن أبا سلمه احد دعاة العباسيين في خرسان قد خاف انتفاض الأمر اثر قتل مروان الثاني لإبراهيم فقرر الرجوع إلى آل أبي طالب وبعث بكتاب إلى الامام جعفر الصادق يطلب منه الشخوص إليه ليصرف الدعوة له ، فلما وصل الرسول ليلاً سلم الكتاب للإمام جعفر الصادق فطلب أن يأتوه بسراج ثم اخذ كتاب أبي سلمه فوضعه على السراج حتى احترق وقال للرسول ( خبر صاحبك بما رأيت ) ثم قال : أيا موقداً نـاراً لغيـرك ضوؤهـاويا حاطباً في غير حبلك تحطب وكان الامام جعفر الصادق عالماً في الدين والفلسفة والفقه والكيمياء ومن تلامذته المشهورين ( جابر بن حيان)الامام جعفر الصادق كان ذا علم غزير في أصول الدين وأدب كامل في الحكمة وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وقد أقام بالمدينة مدة يفيض على الموالين له أسرار العلوم ثم دخل العراق وأقام بها مدة فما تعرض للخلافة قط ولا نازع أحداً عليها وعلق على قوله: ( من غرق في بحر المعرفة لا يطمع في شط ، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لا يخف من حط )و جعل الامام جعفر الصادق مركزه العلمي في المدينة ومكة .وبالرغم من أن الامام جعفر الصادق ابتعد عن السياسة فإنه لم يعش في سلام مستمر يحكى إن الخليفة المنصور قد وجه إلى والي المدينة أمراً ليحرق على الامام داره فأخذت النار في الباب والدهليز فخرج الامام يتخطى النار ويمشي فيها ويقول أنا ابن أعراق الثرى أنا بن إبراهيم خليل الله.وكثير من أحاديث الإمامة تروي عن الامام جعفر الصادق وأهمها ما رواه عن الامام علي بن طالب عليهم السلام في كيفية خلق العالم وكيف تم انتقال النور من آدم عليه السلام إلى محمد صلــــ الله عليه وآله وسلم ـــى.- قال : ثم انتقل النور إلى غرائزنا ، ولمع في أئمتنا فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض فينا النجاة ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور ...الخ...كان الامام الصادق أعظم الشخصيات الإسلامية في عصره وبعد عصره أوجدت مدرسة خاصة في الإسلام كان لها تأثير متباين في التيارات الفكرية والإسلامية المختلفة هذا عدا عن مناهج العلوم الكونية المستمدة في توجيهها من الروح الإسلامية والفلسفة اليونانية.وإذا ما افتخرت المدينة الغربية بالثـقافة الإنسانية للأوائل فليس علينا نحن إلا أن نفتخر أيضاً بالنزعة الإنسانية التى أوجداها التيار الإسلامي الذي تغذى من الاسماعيلية ووضع أسسه الامام جعفر الصادق وصاحب أول نداء انبعث من الأعماق لأجله بل الصرخة الداوية لإيقاظ رسالة الإنسان الكاملة في معانيها الرقيقة ومطالبها السامية ولقد جعل الإنسان محور القيم ومفسر معالم الكون من الوجهة الإنسانية.وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام قال : (أنا من نور الله نطقت على لسان عيسى بن مريم في المهد فآدم وشيث ونوح وسام وإبراهيم وإسماعيل وموسى ويوشع وعيسى وشمعون ومحمد كلنا واحد من رآنا فقد رآهم نحن أبواب الله وحججه وأمناؤه على خلقه وخلفاؤه وأئمة دينه ، ووجه الله وجبينه وأمره وصراطه بنا يعذب وبنا يثيب.. أنا أحيي وأميت وأرزق وأبري الأكمة والأبرص وأنبئكم بما تأكلون وتدخرون في بيوتكم بإذن ربي وكذلك الأئمة المحقون من ولدي لأنا كلنا شيء واحد يظهر في كل مكان ولقد أعطانا الله ما هو أعلى وأجل ، أعطانا الاسم الأعظم الذي لو شئنا لوجهنا السماء وأطاعتنا الشمس والقمر والنجوم والدواب ومع هذا فأنا نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل ما نشاء بأمر الله ربنا عباد مكرمون لا يسبقونه في بالقول وهم بأمره يعملون) نساؤه وبنيه :تزوج الامام جعفر الصادق فاطمة بنت الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب فكان منها اسماعيل ( اعقب ) وعبدالله ( لا عقب له ) وكان من زوجته الثانية أم ولد محمد واسحاق وموسى وعلي والعباس.وفاتـــــــــــــه:توفي في الخامس عشر من شوال سنة 148 هجرية ودفن في البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب أبيه وجده .
مولده:ولد الامام اسماعيل بن الامام جعفر الصادق في المدينة المنورة والدته هي فاطمة ابنة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.هو الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق وأحبهم إليه وصاحب النص الأمامي والقائم فيه في حياة أبيه عندما كان له من العمر 35 سنة وإليه ينتسب الإسماعيليون وتغلب عليهم اسمه.بعد وفاة الامام جعفر الصادق في عام 148هجرية حدث انشقاق كبير في شيعته فانقسمت إلى فريقين : فريق نادى بأفضلية اسماعيل لمركز الإمامة وفريق اعتبر موسى الكاظم الابن الأصغر للإمام جعفر الصادق إماما وأبناءه من بعده حتى الامام محمد بن الحسن العسكري الذي يطلقون عليه لقب 0 المهدي المنتظر )وهم ينتظرون عودته بعد أن اختفى بسرداب في مدينة سامراء سنة 260هجرية وتعرف هذه الفرقة بالا ثنى عشرية.وتدور حول هذا الانشقاق قصص وأحاديث كثيرة لا بد لنا من الإتيان على ذكر بعضها يقول المقريزي : إن اسماعيل هو الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق وهو الذي نص عليه بالامامه في حياة أبيه غير أن اسماعيل توفي سنة 138هجرية والإمام جعفر الصادق والده لا يزال على قيد الحياة . وخلف من الأولاد محمداً وعلياً وفاطمة وانتقلت الامامه في عقبه لأن النص لا يرجع القهقرى.وقال ابن خلدون :توفي اسماعيل في حياة أبيه بالعريض في المدينة المنورة ودفن بالبقيع في سنة 145هجرية ، وقد سبب موته قبل وفاة أبيه اضطرابا كبيراً عند الشيعة أجمعين مما أدى إلى تضارب الآراء فيما يتعلق بطبيعة الإمامة وبسبب هذا الخلاف حدث انقسام كبير بين الشيعة فنشأت فرق وطوائف متعددة.وقال الشهرستانى :أن الامام اسماعيل هو الأبن الأكبر للأمام جعفر الصادق وهو الذي نص عليه في بدء الأمر ولقد حدث الاختلاف على موته منهم من قال أنه مات في حياة أبيه ، وفائدة النص عليه ان انتقلت الامامه في عقبه لأن النص لا يرجع القهقرى ، والقول بالبدء محال إذ لا ينص الامام على واحد من ولده إلا بعد السماع من آبائه ، والتعين لا يجوز على الابهام والجماعة.ومنهم من قال ان اسماعيل لم يمت لكن أظهر موته تقية عليه حتى لا يقصد بالقتل من قبل العباسيين ولهذا القول دلالات منها :أن محمد بن جعفر الصادق أخو اسماعيل وكان صغيراً مضى إلى السرير الذي كان اسماعيل مسجى عليه ورفع الملاءة فأبصره وقد فتح عينيه، فعاد محمد مسرعاً فزعاً إلى أبيه وقال : أخي اسماعيل عاش، عاش أخي . فقال والده جعفر الصادق : أن أولاد الرسول كذا يكون حالهم في الآخرة يا بنىي وقال البعض : إذن ما السبب في الأشهاد على موته وكتب المحضر عليه ، ولم يعهد قط أن سجل محضر على موت ميت .وقيل أن الامام اسماعيل شوهد في البصرة وقد مر على مقعدٍ فدعا له فبريء بإذن الله ولما وبلغ الأمر ( المنصور ) الخليفة العباسي أرسل إلى الامام جعفر الصادق يخبره أن اسماعيل لا يزال على قيد الحياة وأنه شوهد بالبصرة .فأنفذ الامام الصادق ( سجل الوفاة ) إلى المنصور وعليه شهادة عامله التى تؤكد وفاة الامام اسماعيل.ويقول عبدالله أمرتضى في الفلك الدوار صفحة 125: إن الامام اسماعيل ما لبث بعد النص عليه بالامامه سوى زمن وجيز حتى توفي فترك زوجة حاملاً بـ ( محمد الحبيب ) ولقد ألقي على هذا الامام وهو لا يزال ( في بطن أمه ) سر الامامه ، وبعد وفاة اسماعيل أتى أخوه موسى إلى أبيه الامام جعفر قائلاً : قلدني الامامه بعد أخي فأجابه : ( أكظم يا موسى )...الخ أما الداعي إدريس فيقول : إن موسى الكاظم لم يجعله الصادق إماما إلا ستراً على ولي الأمر ( محمد بن اسماعيل ) ليكتم أمره عن الأضداد ، ولئلا يطلع على ما خص به أهل العدواة والعناد ، حتى يستطيع الامام المستقر الحقيقي وهو الامام محمد بن اسماعيل النهوض بأعباء الدعوة الاسماعيلية سراً.وقيل أن الامام اسماعيل قد أوصى قبل موته أباه بتعين وصياً على ( محمد بن اسماعيل ) ليكون ستراً عليه الذي هو (ميمون) الستر عليه وكفيله وكان هذا مصداقاً لقوله تعالى ( وجعلها كلمة باقية في عقبه )وبعد هذه الآراء حول إمامة اسماعيل بعد أن نص عليه وأصبح ولياً للعهد فأمره أن يستتر وكان ذلك عام 145هـ خشية نقمة الخلفاء العباسيين وتدب الأمر بان كتب محضراً بوفاته وشهد عليه عامل المنصور الذي كان بدوره من الإسماعيليين.وفوراً توجه اسماعيل إلى سلمية منها إلى دمشق. وعلم المنصور بذلك فكتب إلى عامله أن يلقى القبض على الامام اسماعيل ولكن عامله المذكور كان قد اعتنق المذهب الاسماعيلي فعرض الكتاب على الامام اسماعيل الذي ترك البلاد نحو العراق حيث شوهد بالبصرة عام 151هـ وقد مر على مقعد فشفاه باذن الله .وفاتــــــــــــه: ولبث الامام اسماعيل عدة سنوات ينتقل سراً بين أتباعه حتى توفي وقد رزق من الأولاد محمد وعلى وفاطمة .ونص على إمامة ولده الأكبر محمد بحضور نخبة من الدعاة المخلصين. وكان الامام اسماعيل هو أول امام مستور وكان بدء ستره سنة 145هـ .
الامام محمد بن اسماعيل عليهما السلام( الشاكر ابو عبدالله )
مولده ولد الامام محمد بن اسماعيل الملقب بالحبيب في المدينة المنورة وأصبح إماما بعد النص عليه.وكان ذلك عقب وفاة أبيه وكان له من العمر 26 عاماً عندما تسلم شؤون الإمامة فاستتر عن الأنظار خشية بطش الخليفة العباسي الذي كان يتبع خطاه ويقتفي أثره للقبض عليه ، فكان الامام يتنقل سراً في البلاد التى يقطنها أتباعه الاسماعيلية .( وقد لقب بالإمام المكتوم لأنه لم يعلن دعوته وأخذ يبثها خفية وهو ثاني أمام مستور).انتشرت بعهده الدعوة الاسماعيلية انتشاراً عظيماً على أيدي دعاة أفذاذ اشتهروا بمقدرتهم العلمية وحججهم المنطقية القوية وبراعتهم التامة في الفقه والعلم والأحكام فقويت شوكة الاسماعيلية بعهدهم وهابتهم الملوك والأمراء. مما جعل الخليفة العباسي ينقم عليهم فيكتب لجميع عماله في الأقطار التى يحكمها طالباً إليهم التفتيش عن الامام الاسماعيلي محمد بن اسماعيل المستور وإلقاء القبض عليه وعلى كل منا يناصره ويؤيد دعوته.علم الامام محمد الحبيب بالأمر (( قيل علم ذلك عن طريق زوجة الخليفة العباسي الرشيد زبــيــدة التى كانت تعتنق المذهب الاسماعيلي سراً )) فارتحل مع دعاته إلى بلا الري حيث الحاكم إسحاق بن عباس الفارسي الذي رحب بمقدمه باعتباره من الاسماعيليين العريقين.وبالحقيقة فقد ساعد هذا الحاكم الامام على نشر دعوته في تلك البلاد ، فعلم الرشيد بذلك وأمر بإحضار الحاكم المذكور فجلد بين يديه حتى مات .بعد هذا الحادث قرر الامام أن يذهب إلى( نهاوند ) حيث استقر به المقام هناك فتزوج من ابنة أمير تلك المقاطعة ( أبو منصور بن جوش ) ورزق منها أربعة أطفال .ووردت الأخبار إلى الخليفة العباسي بأن الامام محمد بن اسماعيل قد استقر في ( نهاوند ) وأخذت دعوته تنتشر بسرعة في تلك المقاطعة ، فأرسل إلى نهاوند حملة عسكرية كبيرة لإلقاء القبض عليه والقضاء على دعوته قبل انتشارها ولكن الاسماعيليين علموا بتلك الحملة فأحاطوا بها وردوها على أعقابها مدحورة .بعد تلك المعركة قرر الامام إن يترك نهاوند إلى ( دماوند ) حيث عمل دعاته على نشر الدعوة فيها وبنى ومدينة ( محمود آباد ) التى ما تزال باقية حتى الآن وتعرف بهذا الاسم وبعد ذلك غادر الامام محمد الحبيب ( دوماوند ) متخفياً نحو مدينة تدمر في سوريا وكان ذلك سنة 191هـ فاتخذها مقراً له وكان يؤمها الإسماعيليون من العراق وبلاد فارس وسوريا .ومن تدمر أوفد الامام إلى المغرب الداعيين المشهورين الحلواني وأبو سفيان وقال لهما إنكما ستدخلان أرضاً بوراً لم تحرث قد فاحرثاها وكرماها وذللاها حتى يأتي صاحب البذر فيضع حبه ، فنزل ابو سفيان بمدينة كتامة وقيل مدينة ( مرماجنه ) ونزل الحلواني بموقع يسمى ( سوق حماد ) فمالت إليها قلوب أهل تلك البلاد وحملوا إليها التحف والأموال .
وفاتــــــــــــه نص الامام محمد الشاكر قبل وفاته على إمامة ولده الأكبر الرضي أبو أحمد .
مولده ولد الامام عبدالله بن الامام محمد بن اسماعيل الملقب (( بالوفي )) و(الرضي ) في مدينة ( محمود آباد ) وأمه الأميرة فاطمة بنت الأمير أبي منصور ابن الجوش. ومن ألقابه ( أحمد الوفي ، والناصر ، والعطار ، عبدالله الأكبر ) .تولى الامامه بعد وفاة أبيه فغادر تدمر إلى السلمية عام 194هـ يصحبه عدد كبير من رجالات الدعوة الاسماعيلية الأفذاذ ، حيث أتخذها مقراُ لإمامته ومركزاً رئيساً لدعوته يرسل منها الدعاة إلى الأقاليم المختلفة لنشر الدعوة فيها وكان الدعاة من الجرأة بمكان ، جلدون على الشدائد حتى إذا ما وقع بيد الخليفة كان يجلد ويعذب أشد العذاب دون أن يتمكنوا من أخذ الاعترافات منه أو أن يعلم بمكان استقرار الامام وكثيراً ما أدى عذابهم إلى الموت.وقد رتبت الدعوة ترتيباً محكماً ونظمت تنظيماً دقيقا. ًفي عهد الامام أحمد الوفي كانت الأموال والذخائر تنقل إلى السلمية من كل بلد إسماعيلي بواسطة الدعاة ، وكان قد حفر سرداباً في الصحراء حتى داخل بيت الامام في سلمية طوله 15 ميلاً وكانت الأموال والذخائر تحمل على الجمال فيفتح لها باب السرداب في الليل وتنزل فيه بأحمالها عليها حتى تحط في داخل الدار وتخرج في الليل ثم يهال على باب السرداب بالتراب فلا يدري به أحد أو قيل أن الأموال التى كانت تصل إلى السلمية في عهد الامام أحمد الوفي مركزاً للدعوة الاسماعيلية مما قد ساعد على انتشارها بسرعة في الشرق الأدنى والمغرب نظراً لقرب السلمية من العراق وبلاد العرب وبلاد البحرين واليمن وكذلك تعرضت الدعوة بعهده لنقمة الكثيرين من الخلفاء والأمراء ، فكانوا يطاردونهم ويقتلونهم أينما وجدوا ولكن تلك النقمات لم تؤثر في نشاطهم المستمر ، فاجتمعت طائفة من العلماء الاسماعيلية وألفوا اثنين وخمسين رسالة فلسفية عرضوها على الامام أحمد الوفي فسماها ( رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء) ولخصها في رسالة واحدة سماها ( رسالة الجامعة ) وألف رسالة أخرى جمعت علوم جميع الرسائل وسماها ( جامعة الجامعة ).ولما أطلع المأمون الخليفة العباسي على تلك الرسائل ذهل وأمر بالتنقيب عن مؤلفيها المجهولين فذهبت جهوده التى بذلها في سبيل ذلك أدراج الرياح. وأيقن أن مؤلفها ليس من العلماء المغمورين بل لا بد أن يكون أحد الأئمة المستورين فجد في البحث عنه حتى قبض على احد دعاته ويدعى ( أبو ترمزي) وقابل الخليفة المأمون فأظهر له أثناء محادثاته أنه من المعتقدين المخلصين في الامام وطلب منه أن يدله على مكان الامام فأبى فقتله المأمون.ولما بلغ الامام الخبر وهو في السلمية فقام بسياحة كبيرة زار فيها الكوفة ثم بلاد الديلم ثم عاد إلى السلمية ماراً بمعسكر مكرم وبعد أن أقام مدة بالسلمية قصد بلدة محمود آبادوتولى الامامة بعده ولده الامام ( التقي ابو الحسين ) بعد إن نص على ولده أحمد الملقب بمحمد التقي .توصلت الاسماعيلية في عهد الامام الوفي أحمد إلى درجة عظيمة من العلم والثقافة مما عظم مركزهم وانتشرت علومهم ومؤلفاتهم الفلسفية التى أحدثت ضجة قويه في جميع الأوساط العلمية .
مولـده:ولد الامام أحمد بن عبدالله الملقب بـ (التقي ) في مدينة السلمية ، تولى الإمامة بعد وفاة أبيه .وتولى الامامة في مدينة (محمود آباد) وغادرها إلى السلمية سراً حيث أصبحت السلمية مركزاً لنشر دعوته في الأقطار المجاورة .فازدهرت الدعوة الاسماعيلية ازدهارا عظيماً وخاصة في سوريا واليمن على أيدي دعاة نشيطين عرفوا بمقدرتهم العلمية أمثال أبي القاسم رستم بن الحسن بن فرج بن حوشب بن زاذان الكوفي رئيس مدرسة الدعاة في اليمن وموضع ثقة الامام ولقب بالمنصور لكونه حقق انتصاراً كبيراً للدعوة في اليمن والمغرب وجميع الأقطار التى كانت تحت أمرته ، ولقد شبهه بأنه كان يمثل الفجر وبه كشف الله عز و جل عن الأولياء وأنار الظلمة وترك هذا الداعي الكبير مؤلفات علمية وفلسفية كثيرة ، هذا عدا الترتيبان والتنظيمات الكثيرة التى أجراها بين الدعاة .ولقد تعرض الامام أثناء وجوده في السلمية لمضايقات الخلفاء العباسيين المستمرة لذلك وجد بأن السلمية لم تعد مكاناً صالحاً له فغادرها سراً إلى الري حيث استقر فيها مدة طويلة عمل خلالها لنشر دعوته على نطاق واسع فاعتنقها أكثر الملوك والأمراء وقدموا جميع إمكانياتهم لمساعدة الدعاة في سبيل نشرها وتعميمها في جميع الأقطار الشرقية ، والجدير بالذكر أن أكثر الحكام والولاة في العهد العباسي كانوا يتظاهرون بنقمتهم على الاسماعيلية بينما كانوا يدينون بعقائدها في الباطن وينصرون الدعاة ويعملون سراً على تقوية الدعوة وإنجاحها.وفاتـــــــــه:عاد الامام إلى السلمية ومنها إلى مصياف بعد أن نص على إمامة ولده عبدالله الرضي .وصلت الدعوة الاسماعيلية بعهد الامام أحمد التقي إلى درجة عظيمة من الرقي والنجاح والازدهار وهذا ما ساعد على تأسيس الخلافة الاسماعيلية في المغرب التى كانت مقدمة الخلافة الفاطمية الكبرى في القاهرة والتي بدأ بتأسيسها الامام محمد المهدي حفيد الامام أحمد التقي والتي استمر على أريكتها ثلاثة من الأئمة الفاطميين ثم انتقل الرابع منهم وهو المعز إلى القاهرة .
الامام الحسين بن أحمد ( الزكي ابو عبدالله ) وبعد انتقال أبيه أصبح إماما للإسماعيلية وانتقل إلى همدان ثم إلى أذربيجان والى استنبول وفي هذه الأماكن كان يوزع الدعاة على مختلف المناطق الإسلامية ، لم يستقر به المقام طويلاً في استنبول فغادرها إلى السلمية ومن السلمية إلى عسكر مكرم ( عسكر مكرم بلد في نواحي خوزستان راجع معجم البلدان لياقوت) .واتخذ الحسين بن عبدالله بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه.في عهد الامام ( الزكي ) تقدمت الدعوة الاسماعيلية تقدماً عظيماً فازدهرت العلوم وانتظمت الدعوة انتظاماً دقيقاً فكانت رئاسة الدعوة في السلمية أو ( عسكر مكرم ) تتصل مع الدعاة بواسطة الحمام الزاجل الذي بدع في استخدامه الدعاة الاسماعيلية ويعتبرون أنهم أول من استخدمه للغايات السياسية والأمور الحربية.ونبغ دعاة عظماء كانت لهم جولات موفقة في عالم الأدب والتأليف والفلسفة فانتشرت دعوتهم وتفانوا في الدفاع بالقلم واللسان.لما علم الامام الزكي بأن الدعوة في المغرب تتقدم باستمرار أوعز إلى الداعية الكبير أبي عبدالله الحسين أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي الذي كان يعلم الناس المذهب الاسماعيلي في البصرة كي يذهب إلى مدرسة الدعوة في اليمن ليدرس هناك على ابن حوشب وأمره أن يطيعه وأن يقتدي به ثم يذهب بعد فراغه من الدراسة إلى المغرب قاصداً بلدة ( كتامة ).توجه أبو عبدالله إلى اليمن حيث شهد مجالس ابن حوشب وأصبح من كبار أصحابه وهناك علم وفاة الحلواني وأبو سفيان ( دعاة المغرب ) فقال لأبي عبدالله الشيعي إن أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك فبادر فإنها موطأة لك .خرج أبو عبدالله الشيعي إلى مكة مع حج اليمن فلقي بها رجالات من كتامة أختلط بهم فوجدوا بذوراً من العقائد الاسماعيلية فارتحل معهم إلى كتامة ووصلها منتصف ربيع الأول عام 288هـ وجاهر بالدعوة الاسماعيلية قائلاً للكتاميين ( أنا صاحب العذر الذي ذكره لكم أبوة سفيان والحلواني ) فازدادت محبتهم له واستقام له أمر البربر وعامة كتامة ، فلما تم ذلك ذهب إلى مدينة ( جبله ) فانتشرت جيوشه بالبلاد بعد إن قتل ( الأحول ) ودحر جيشة المؤلف من 24 ألف مقاتل وخفقت ألوية الاسماعيلية في كل مكان .أما رئيس دعاة اليمن ابن حوشب فإنه زحف من مقره ( حصن جبل لاعة ) ففتح مدائن اليمن وملك صنعاء وأخرج بنى ( يعفر) منها وفرق الدعاة في أنحاء البلاد والبحرين واليمامة ، والسند والهند ومصر .هذا ما جعل الخليفة العباسي يرسل جنوده في طلب الامام الذي غادر البلاد إلى السلمية مع كبار رجال دعوته .بقى سيدنا الامام في السلمية وعهد بالإمامة من بعده لابنه محمد المهدي وقال له:( انك ستهاجر بعدي هجرة وتلقى محناً شديدة ) .
مولده: ولد الامام عبدالله أبو محمد المهدي ابن الامام الحسين الزكي فى الثانى عشر من شوال سنة 260هـ في مدينة سلمية وتقع على حافة الصحراء السورية وعلى مسافة 30كيلو متر إلى الجنوب الشرقي من حماة استلم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه عام .في عهده انضمت أكثر قبائل المغرب للداعي الاسماعيلي الكبير ( أبي عبدالله الشيعي ) مؤسس الدولة الفاطمية في القارة الأفريقية ، وأحرزت الجيوش الاسماعيلية الانتصارات في جميع المعارك فانتشرت في تلك البلاد وخفقت ألويتهم عالية وتفرقت دعاتهم يدعون الناس للانضواء تحت علم الامام الفاطمي والاستقاء من معينه العذب الذي لا ينضب ، معين العلم والفلسفة والجهاد والحق في سبيل الغاية المثلي لحياة أفضل .بعد أن استقر الداعي أبو عبدالله في تلك الديار رأى من الأنسب كما هي عادة الدعاة ( الرجوع للإمام في كل مناسبة ) أن يعلم أمامه عما وصلت إليه قضيته من نجاح في المهمة التى ألقيت على عاتقه ، فسير أخاه أبا العباس محمد بن أحمد على رأس وفد من إسماعيلية المغرب لينقل للإمام المهدي الأخبار والتفاصيل ، بما فتح الله على يده وانه ينتظر أوامره إذا ما أراد أن ينقل مقر الامامه إلى المغرب لأن سلمية لم تعد مكاناً صالحاً لإقامة الأئمة الاسماعيليين المستورين بعد إن ازداد النشاط الاسماعيلي في المغرب واليمن بالإضافة إلى أن الخليفة العباسي قد شدد في طلب القبض على الامام الذي تروج الدعوة باسمه بعد أن بلغه ما توصلت إليه الدعوة في المغرب واليمن من تقدم وازدهار. فأوعز لوالي السلمية أن يفتش عن الامام أبو محمد المهدي ويقضي على دعوته قبل أن يستفحل خطرها.وصل الوفد الذي أرسله أبو عبدالله من المغرب وسلم رسالة أبى عبدالله للإمام المهدي وبعد أن علم مضمونها وعرف بان البقاء في الإقليم السوري لم يعد يتفق والغاية الإمامة المثلي قرر المهاجرة إلى المغرب بعد أن أمر رجالات الدعوة في السلمية بأن يكونوا على أهبة الاستعداد للسفر معه .وبعد أن تهيأت جميع الوسائل والسباب لهجرة الامام محمد المهدي إلى المغرب خرج ومعه خاصته ومواليه ، وكان خروجه من السلمية وقت العصر ، وكانت وجهته مدينة حمص ومنها قصد طرابلس الشام وقيل أنه قصد الرملة بعد أن مكث في طرابلس يوماًُ واحداً ، أما مدة أقامته في الرملة في رجب 289هـ منتصف 291هـ ثم غادرها باتجاه مصر فدخلها مستتراً بزي التجار فأتت الكتب إلى عيسى النوشري أمير مصر من الخليفة العباسي ليقبض على الامام محمد المهدي فلما قرئت الكتب كان في المجلس أحد الاسماعيلية فنقل الخبر للإمام فغادر مصر مع أصحابه.فرق النوشري الأعوان في طلب الامام وخرج بنفسه فلحقه وليقبض عليه ولكنه أطلقه بعد أن أمن بدعوته ودخل في مذهبه وأراد أن يرسل معه من يوصله إلى رفقته . وقيل أنه أعطاه مالاً حتى أطلقه [ ابن الأثير ج 8 ص44 ].سار الامام حتى قسطنطينية ومنها إلى سجلماسة حيث قبض عليه واليها العباسي اليسع بن مدرا ر ووضعه في السجن.علم أبو عبدالله الشيعي بأن الأمام قد وصل سجلماسة وألقى عليه القبض واليها العباسي علم بذلك عن طريق أخيه العباس الذي رافق الامام في رحلته ، فبادر لجمع الجيوش الاسماعيلية التى بلغ عددها 200 ألف فارس وراجل ، خرج في أول شهر رمضان سنة 296هـ من بلدة ( رقادة ) فاهتز المغرب لخروجة وخافته قبيلة زناتة وزالت القبائل عن طريقه وجاءته رسلها ودخلوا في طاعته [ اتعاظ الحنفا ص 84-89-90 . ابن الأثير الجزء 8 ص 19-32-34 ] .كتب أبو عبدالله كتاباً إلى الامام يبشره بقدومه وقد أرسله مع بعض ثقاته فدخل إلى السجن بزي قصاب وسلم الكتاب للإمام.طوقت جيوش أبي عبدالله سجلماسة عدة أيام فقاتل اليسع بن مدرا ر حتى دحرت جيوشه وولى الإدبار فألقي عليه القبض وقيل أعتنق المذهب الاسماعيلي فأطلق سراحه.وهكذا زال ملك بنى الأغلب من أفريقيا وملك بنى مدرا ر بعد أن أستمر 103 سنوات سجلماسة . وأخرج الامام محمد المهدي من السجن في السابع من ذي الحجة سنة 296هـ. فبويع من عامة مسلمي سجلماسة.ارتحل الامام من سجلماسة بعد أن لبث فيها 40 يوماً نحو أفريقيا فوصل لمقر ملكه ( رقاده ) بعد إن زال ملك بنى رستم من ( تاهرت والذي استمر 160 سنة ) وكان عمره لا يتجاوز الخامسة والثلاثين وطبقاً لرواية شاهد العيان [ كان شبابه قد اكتمل ولم يكن هناك أثر لشيب في شعره ] وولده ذو الستة عشر ربيعاً أبو القاسم خليفته مستقبلاً على العرش بلقب القائم بأمر الله واتخذ الامام وولده أجنحة لهما في قصور رقـّادة.وبالأمكان زيارة آثار رقـّادة اليوم على بعد تسعة كيلو مترات إلى الجنوب من القيروان بعد أن أزال عنها التراب علماء الآثار.وأمر أن يخطب له يوم الجمعة وسير الدعاة إلى مختلف المناطق يدعو الناس للدخول في المذهب الاسماعيلي.وهكذا انتهى دور الستر والتخفي الذي بدأ بالإمام اسماعيل وبدأت حياة جديدة حيث أستقر الامام وتولى السلطتين الزمنية والروحية واخذ يمد سلطانه شرقاً وغرباً ليقيم ملكه على أساس متين.وامتدت الإمبراطورية التى حكمها أول الخلفاء الفاطميين من الساحل الاطلسى لمراكش مشتملة على كامل ما يعرف اليوم بالجزائر وتونس وحتى الساحل الليبي لطرابلس وبرقة في الشرق كما اشتملت على صقلية وهكذا فقد كانت الإمبراطورية الفاطمية قوة بحرية منذ بداياتها الأولى وراحت تتنافس مع الإمبراطورية البيزنطية على السيطرة والتفوق في البحر الأبيض المتوسط. وشكلت تونس وسوسة مركزيين رئيسيين لصناعة السفن أما القيروان والمدينة الملكية رقـّادة فقد كانتا داخل البر بعيدتين قليلاً عن الساحل ولا بد أن ذلك كان وراء خطة المهدي في إنشاء عاصمة جديدة تقع على الساحل مباشرة ، وقد شاهد جزيرة مهجورة تقع حوالي خمسين كيلو متر إلى الجنوب الشرقي من سوسة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند وفي هذا الموقع تم تشيد عاصمة ملك المهدي الجديدة وسميت( بالمهدية) نسبة إليه وهو أسم لا تزال تحتفظ به حتى اليوم ، وأن يجعل لها سوراً محكماً وأبواباً عظيمة زنة كل مصراع مائة قنطار. وبوشر البناء يوم السبت في الخامس من ذي القعدة سنة 303هـ وشيد قصر المهدي فوق أعلى نقطة من الهضبة وفي مواجهته إلى أسفل الهضبة كان قصر خليفته على العرش الفاطمي أبي القاسم ( القائم ) وكان الامام الخليفة يظهر صباح عيد الفطر وعيد الأضحى شخصياً مع كامل رجال بلاطه ليؤم الناس في الصلاة وإلقاء خطبة العيد ، وتعتبر مدينة المهدية على الساحل التونسي مثل القاهرة واحدة من أهم مآثر التاريخ الفاطمي الاسماعيلي ولا يزال بالامكان حتى الآن التمتع بمعالم عظمة الفاطميين في كل مكان ، البوابة التى لا يمكن اختراقها ، بقايا السور البحري ، حوض الميناء ، والمسجد المرفوع على مصطبة صناعية ناتئة إلى داخل البحر بوابته الفخمة المشابة لقوس النصر الروماني وبقى المسجد الذي أبتناه المهدي لنفسه وحاشيته خراباً حتى تم ترميمه بالكامل في الستينات.وشيدت فيها دار لصناعة السفن الحربية الكبيرة ، وأقيمت المعاهد العلمية في جميع المناطق ، وعم الفقه الاسماعيلي المستمد من تعاليم الامام جعفر الصادق وأمر أن يقضى بموجبه ، وشكل جيشاً من الاسماعيليين فقضى على النفوذ العباسي في تلك البلاد.حاول الامام أبو محمد المهدي أن يفتح مصر بعد أن انتشرت فيها الدعوة الاسماعيلية على أيدي بعض الدعاة فأرسل سنة 301هـ جيشاً بقيادة ولي عهده القائم بأمر الله فأحتل برقة واستولى على الإسكندرية والفيوم وصار في يده أكثر البلاد.وفاتـــــــــه:توفي الامام المهدي في الخامس عشر من ربيع الأول سنة 322هـ وكان عمره 62 عاما بعد أن نص على إمامة ولده القائم بأمر الله ودفن في المهدية .
مولـده:ولد الامام محمد القائم بأمر الله ابن الامام عبدا لله المهدي في سنة 275هـ بالسلمية وأرتحل مع أبيه الامام ابومحمد المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالامامه من بعده.فأقتفى أثر أبيه وخطا خطاه ونهج نهجه وعمل جاهداً على تعزيز وازدهار الدعوة الاسماعيلية وتعميمها في جميع البلدان والأقاليم ، ووجه اهتمامه الزائد لتنظيم وتقوية البحرية الاسماعيلية فشكل أسطولاً عظيماً تمكن بواسطته من قهر العصابات البحرية المالطية التى كانت تأتي بأعمال القرصنة لغزو البلاد الاسماعيلية وقيامهم بأعمال النهب والسلب والتخريب وأختل الأسطول الاسماعيلي ( جنوه ) و ( لونبارتي ) و (غرنا طه) وغيرها من البلاد الايطاليه التى كانت خاضعة لحكم الروم ، كما فتح المسلمون جزيرة ( صقليا ).رغب الامام بان يتوسع في المغرب الأقصى لكي يتمكن من القضاء على الثورات الداخلية التى كان قد أشعلها أذناب وبقايا فلول العباسيين والأمويين المتوارين عن الأنظار ، فجهز جيشاً كبيراً بقيادة ( ميسور الفتى ) لغزو المغرب الأقصى فوصل إلى ( فأس ) وإلى ( تكر ور ) وأرسل جيشاً بحرياً بقيادة ( يعقوب بن اسحق ) لغزو بلاد الروم ، كما سير جيشاً آخر بقيادة (زيدان) إلى مصر ، فدخلوا الإسكندرية وتقابلوا مع جيش الإخشيدي.وفي سنة 333هـ أخرج الامام القائم بأمر الله الجيوش لضبط البلاد وإعادة الأمن فيها ، فأرسل جيشاً مع ( ميسور الفتى )وجيشاً آخر مع (بشره الفتى) لمحاربة قبائل زناتة التى شقت عصا الطاعة ويقودها زعيمها ( أبو يزيد ) فالتقى الجيشان في معركة حامية أنهزم على أثرها أصحاب أبي يزيد وقتل منهم 4000 كما أسر منهم 500 أسير.جمع أبو يزيد فلول جيشه المدحور متجهاً صوب تونس في العشرين من صفر سنة 334هـ فوصلها ونهب جميع ما فيها وسبى النساء والأطفال وقتل الرجال وهدم المساجد ، وقد التجأ أثر ذلك أكثر الناس الهاربين إلى البحر فغرقوا.سير الامام جيشاً آخر لقتال أصحاب أبي يزيد في تونس فقتل منهم خلق كثير وولوا الأدبار فدخلت جيوش الامام منصورة إلى تونس في الخامس من ربيع الأول سنة 334هـ.كان عهد الامام القائم بأمر الله عهد حروب وفتوحات لنشر الدعوة في جميع البلاد وللقضاء على العناصر الهدامة الثائرة التى كانت تعيث فساداً في البلاد ولقمع غزوات القراصنة الدائمة هذا ما جعل القسم الأعظم من البلاد يتعرض للدمار والتخريب والسلب والقتل ، ومع هذا فقد تمكن الامام من القضاء على تلك العناصر الفاسدة وأخمد جميع الثورات الداخلية ووزع الأموال والهبات على الشعب المنكوب.وازدهرت بعهده الدعوة الاسماعيلية وانتشرت دعاتها في جميع الأقطار منهم دعاة أقوياء وكتاب عظماء كان لهم اكبر الأثر في انتشار الدعوة في ذلك العصر نذكر منهم :الداعي الكبير أبو يعقوب بن إسحاق بن احمد السجستاني.الداعي الكبير أبو حاتم الرازي الورثنياني.الداعي عبدالله بن أحمد النسفي البرد غي .فكان عهد الامام القائم بأمر الله يتميز بشيئين :االأول :حروبة في سبيل نصرة الدعوة الاسماعيلية.الثاني:انتشار الدعوة الاسماعيلية على أساس علمي مبين بفضل وجود أكبر عدد من الدعاة النشيطين المتمكنين من أسرار الدعوة مع قوة الحجة وأصالة بإقناع مناقشيهم حتى دخل بالمذهب الاسماعيلي أكثر حكام النواحي والأمصار.وفاتـــــــــه:توفي الامام القائم بأمر الله في 13 شوال سنة 334هـ بعد أن نص على امامة ابنه المنصور ودفن بالمهدية وكان عمره 59 عاما .
مولـده ولد الامام المنصور بالله اسماعيل بن الامام القائم بالمهدية في سنة 302هـ.تسلم شئون الإمامة بعد وفاة أبية سنة 334هـ وكان سياسياً عظيماً ومحارباً قديراً وخطيباً من أفصح الخطباء وأبلغهم حاد الذهن حاضر الجواب بعيد الغور جيد الحدس يخترع الخطبة لوقته.في عهده تقدمت الدولة الاسماعيلية تقدماً كبيراً في مختلف النواحي وقضى على جميع الثورات الداخلية في البلاد فاستتب له الأمر وانتشرت دعوته انتشاراً قوياً في كل من ( صفاقص) و ( تونس ) و ( قابس ) و ( جزيرة جيربه ) واحتلت جيوشه جزيرة صقلية بكاملها ووضع عليها ( حسن بن علي الكلبي ) ففتح ملحقات تلك الجزيرة وأصبحت مقراً لقيادة البحرية الاسماعيلية .كانت أعماله محصورة قبل كل شيء بان وجه اهتمامه بالسير إلى مدينة سوسه لمقاتلة جيوش أبي يزيد التى كانت تحاصر تلك المدينة وقد استطاع إبعادهم عنها وبعد ذلك ارتحل إلى القيروان حيث التقى مع جيوش أبي يزيد في معركة عظيمة قتل فيها من أصحاب أبي يزيد خلق كثير ، وفي تلك المعركة تجلت عظمة الامام وشجاعته فكان يتمنطق بسيف جده الامام علي ( ذوالفقار ) ويحارب الصفوف كما كان يفعل جده في حروبه وغزواته ، فازدادت محبة الناس إليه والتحق بصفوفه خلق كثير.هرب أبو يزيد وتوارى عن الأنظار إلى أن هزم أخيرا بعد أن قتل من أصحابه ما لا يحصى له عدد [ اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ص 122].وما زال أبو يزيد هارباً حتى التجأ إلى جبل البربر وجمع خلقاً كثيراً لمقابلة جيش الامام المنصور ولكنه هزم فأدركه احد الأمراء الاسماعيليين وقبض عليه وساقه إلى الامام المنصور وكان ذلك سنة 336هـ فقتله. وأمر أن تبنى مدينة ( المنصورية ) تيمناً بذلك الانتصار وضمت المنصورية بوابة ً تدعى [ باب الفتوح ] من خلالها كان يدخل الخليفة إلى المدينة ويخرج منها في عرض رائع و[ باب زويلة ] الذي أطلق نسبة إلى كتائب الجيش الأفريقي أما قصر الخليفة فقط توسط المسافة بين هاتين البوابتين وبالقرب منه كان مسجد القصر الذي حمل اسم ( الأزهر ) وهو الاسم الذي أطلق على المسجد الذي شيده الفاطميون في القاهرة فيما بعد وتم في المنصورية بناء مجرى للماء على نموذج روماني زود المدينة بالماء وكانت توجد إسطبلات فخمة وحديقة حيوانات ضمت حيوانات مستجلبة ٌ مثل السباع إضافة إلى الحدائق العامة الشاسعة وحملت قاعات القصر المختلفة أسماء رائعة مثل ( قاعة الكافور ) و ( قاعة التاج ) و ( القاعة الفضية ) وبعد انتقال الفاطميين إلى مصر بقيت قصور المنصورية مقرا ً لنوابهم من السلالة الزيرية لكن خطر غزو المنطقة من قبل جموع بنى هلال البدوية جعلهم يعودون إلى مدينة المهدية الأكثر أمناً وهجرت قصور الفاطميين الضخمة وتركت لعاديات الزمن وبقيت لقرون يستخدمها سكان القيروان لصيدهم في النهاية تمت تسويتها مع الأرض.وفاتــــــــــــه ثم عاد الامام المنصور إلى المهدية في شهر رمضان عام 336هـ فعهد بالإمامة من بعده لولده المعز لدين الله وتوفي التاسع والعشرين من شوال سنة 341هـ ودفن في مدينة المهدية وكان عمره 39 عاما .
مولـده ولد الامام العزيز بالله نزار ابن الامام المعز لدين الله في يوم الخميس الرابع عشر من محرم سنة 344هـ بالمهدية وأصبح وليا ً للعهد في يوم الخميس الرابع من ربيع الآخر سنة 366هـ وتولى الامامة بعد وفاة أبيه في يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الآخر سنة 365هـ.كان الامام العزيز بالله قائداً شجاعاً وحاكماً مدبراً وخليفة عادلاً كريماً يعفو عند المقدرة حسن الخلق قريباً من الناس وكان أديباً فاضلا ً قال يوم وفاة أحد أولاده : نحن بنو المصطفى ذوو محنيجرعهـا فـي الحيـاة كاظمـنـا عجيـبـة فــي الأنــام محنـتـنـاأولــنـــا مـبـتـلــى وخـاتـمـنــا يـفـرح هــذا الــورى بعيـدهـمطــــرا ً وأعـيــادنــا مـأتـمـنــا وكان لا يحب سفك الدماء محباً للصيد له معرفة بالخيل في عهده وصلت الاسماعيلية إلى درجة عظيمة من الرقي والازدهار.أنفق الأموال الطائلة على تشييد المباني وبنى في عهده قصر البحر بالقاهرة الذي لم يبنى مثله لا في شرق ولا غرب وقصر الذهب وجامع القرافة والقصور بعين شمس وإنشاء الجسور والمرافيء وتقوية الجيش والبحرية فازداد عدد الأسطول وعين الأتراك قواداً لجيشه كما عين يعقوب بن كلس وزيراً له ولقبه بالوزير الأجل وأثبت أسمه على الطراز وكان هذا الوزير عالماً محباً للعلماء مشجعاً لهم يحضر الفقهاء والفلاسفة للمناظرة بين يديه ويوزع عليهم المنح والعطايا وكان يجمع عنده العلماء وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب والطب ويعارضون ويشكلون المصاحف وينقطونها.وقد اهتم الامام العزيز بالله بإنشاء دور للكتب وشحنها بالمؤلفات الفخمة التى تبحث جميع أنواع العلوم ووجه اهتمامهم الزائد لمكتبة القصر فرعاها بنفسه وأنفق عليها الأموال الطائلة حتى قيل أنها حوت مائة وستون ألف مجلد جلها في الفلسفة والطب والتاريخ والأدب والفقه كذلك شجع العلماء والمؤلفين ووهبهم الأموال وخصص لهم المنح والعطايا وأنشأ في الجامع الأزهر مدرسة علمية انفق عليها من جيبه الخاص فتخرج منها علماء كان لهم شأن عظيم في عالم الفكر والتأليف.وفي سنة 368هـ سير القائد جوهر الصقلي بعساكر كثيرة لقتال أتفكين والقرامطة فاحتل الرملة وحاصر دمشق ثم عاد لمنازلة القرامطة في الرملة وعسقلان فجرى بينهما قتال شديد استمر طويلا ً فخرج الامام العزيز بنفسه إلى الرملة لقتال افتكين وصحبه فدخلت الجيوش الاسماعيلية الرملة وأسر افتكين في شهر محرم سنة 368هـ فأحسن إليه الامام العزيز وأكرمه إكراما ً زائدا ً وصحبه إلى القاهرة حيث وصله بالعطايا حتى قال افتكين (( احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز بالله ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه ) فلما بلغ الامام ذلك قال ( أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي )ويحكى بان صاحب الأندلس المستنصر بن عبدا لرحمن الناصر الأموي قد كتب كتابا ً إلى الامام العزيز يسبه فيه ويهجوه فكتب إليه الامام :« أما بعد فانك قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك والسلام »ولقد اعتنى الامام العزيز بالله بشؤون الشام فاختار لولايتها غلامه (بنجوكتين) التركي وأمره أن يفتح حلب لانتشار الدعوة فيها فسار بنجوكتين إلى دمشق ومنها إلى حلب فاصطدمت جيوشه بجيوش البيزنطيين على ضفاف العاصي فهزمهم وأسر قائدهم وطاردهم حتى إنطاكية فقتل منهم خلق كثير . [ ابن الأثير الجزء التاسع صفحة 31].في عهده وصلت المملكة الاسماعيلية إلى درجة عظيمة من الرقس والتمدن فعاشت الرعية بالخير والهناء والرخاء واتسع نطاق الدعوة اتساعا ً عظيماً ويقول المقريزي ( كان يضرب بأيام الخليفة العزيز المثل في الحسن وقد كانت كلها أعيادا ً وأعراساً لكثرة كرمه ومحبته للعفو واستعماله لذلك ).ولقد فتحت له حمص وحماه وشيرز وحلب وخطب له المقلد بن المسيب بالموصل وأعمالها وخطب له باليمن وعظم شأنه.وفاتـــــــــــه مرض الامام العزيز وهو في بلدة بلبيس واشتد به المرض فأستدعى الدعاة والرؤساء ومنهم القاضي محمد بن النعمان وأبا محمد الحسن بن عمار الكتامي وأمين الدولة ونص أمامهم على امامة أبنه الحاكم من بعده وتوفي في نفس اليوم في مدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة حيث دفن عند أبيه المعز في حجرة القصر وكان ذلك في 12 رمضان سنة 386هـ وكان عمره 42عاما .
مولـده ولد الامام المعز لدين الله معد بن الامام المنصور في 21 رمضان سنة 319 هـ ، وبويع بالخلافة والإمامة في سنة 341هـ .وكان أول عمل قام به تجهيزه الجيوش والخروج بها باتجاه شمالي أفريقيا (( من برقة إلى مراكش )) للقضاء على الثائرين من أهل تلك البلاد واندحر أكثر الثوار وألتجأوا إلى جبال (( أوراس )) المنيعة وكانوا من قبائل [ بنى كملآن ، ومليله ، وهواره ] ، وبالرغم من وعورة الطرقات وصعوبة المسالك في تلك الجبال لم تمنع جيوش الامام من التقدم والوصول إلى أعاليها واحتلالها بكاملها وإدخال الثائرين تحت طاعة الامام المعز لدين الله وكان ذلك عام 346هـ.وبعد ذلك وجه الامام عنايته الزائدة للبرابرة فأحسن إليهم ولم يمسهم بأذى فاعتنقوا المذهب الاسماعيلي عن بكرة أبيهم ، ووزع الامام الولاة الأكفاء على الأقاليم وزودهم بتعاليمه وإرشاداته القيمة [ابن الأثير جـ7 ص374].وفي سنة 348هـ أرسل جيشاً بقيادة ( جوهر الصقلي ) لقتال أهل المغرب الأقصى بعد إن نقضوا البيعة وأظهروا ولائهم لأمير الأندلس الأموي فاحتلت الاسماعيلية ( تاهرت ) و ( فآس ) و( سجلماسة) ، وألقي القبض على العمال الأمويين في سائر بلاد المغرب ، وتقدمت الجيوش في البلاد حتى أتى إلى ( البحر المحيط ) فأمر جوهر الصقلي باصطياد الأسماك وجعلها في قلال الماء وإرسالها إلى إمامه المعز لدين الله إشارة منه أنه أدى المهمة على أكمل وجه وطهر البلاد حتى البحر المحيط الذي لا عمار بعده.ولما وصلت أخبار النصر مع الهدايا إلى الامام المعز لدين الله وهو في مجلس يضم نخبة من رجال الدولة وبينهم الشاعر الاسماعيلي الكبير ابن هاني الاندلسي فقام منشداً مهنئاً الامام المعز بالنصر واصفاً الهدية بقصيدته الرائعة التى مطلعها : ألا هكذا فليهـد مـن قـاد عسكـراًوأورد عن رأي الامـام وأصـدرا هدية من أعطى النصيحـة حقهـاوكان بما لم يبصر الناس أبصرا ألا هـكـذا فلتجـلـب العـيـس بـدنـاًألا هكـذا فلتنجـب الخيـل ضـمـرا [ ديوان ابن هاني الاندلسي ص 352]ولم يرجع القائد جوهر الصقلي إلى مولاه إلا بعد إن أستأصل جميع الفتن في البلاد ، ولم تبق مدينة إلا وأقيمت فيها الدعوة الاسماعيلية وخطب فيها الامام الاسماعيلي ، ثم عاد جوهر غانماً مظفراً ومعه صاحبا سجلماسة وفأس أسيرين في أقفاص من حديد ودخل بهما المنصورية في يوم مشهود [ اتعاض الحنفا ص135. الخطط المقريزي جـ2 ص167].وفي سنة 351هـ أوعز الامام المعز إلى أحمد بن الحسن نائبه على صقلية بفتح القلاع التى بقيت للروم في تلك الجزيرة فغزاها وفتح ( طبرمين) وهي قلعة بصقلية وغيرها من القلاع الحصينة.وفي سنة 354هـ حوصرت قلعة ( رمطه ) في جزيرة صقلية وجرت معارك عظيمة قتل فيها قائد الروم ( منويل ) وانهزم جيشه في المراكب ناجين بأنفسهم فتبعهم القائد الاسماعيلي العظيم الأمير أحمد وجنوده فألقواـ أي الجنود المسلمون ـ أنفسهم بالماء وأحرقوا كثيراً من مراكب الروم فغرقت وكثر القتل في الروم فولوا الأدبار بعد أن أسر ألــ 1000 ــف من عظمائهم ومـ 100 ــائة بطريق من بطارقتهم وغنمت الاسماعيلية غنائم كثيرة كان منها سيف هندي كتب عليه ( هذا سيف هندي وزنه مائة وسبعون مثقالاً طالما ضرب به بين يدي رسول الله ) فأرسل إلى الامام المعز مع الأسرى [ ابن الأثير جـ8 ص404. ابن خلدون جـ4 ص 207-211 ] وتعرف هذه الواقعة بواقعة ( المجاز ) وهي التى وصفها الشاعر الاسماعيلي ابن هانيء بقصيدة عدد أبياتها 113 بيتاً .وفي سنة 358 عزم الامام المعز أن يفتح مصر التى كانت من أضعف البلاد التى يسيطر عليها العباسيون وأشدها اضطرابا فجهز جيشاً عظيماً بقيادة ( جوهر الصقلي ) وسيره إلى مصر في 14 ربيع الأول سنة 358هـ وخرج الامام بنفسه لتوديع القائد جوهر الصقلي وأقام أياماً في معسكره [ ابن خلكان جـ2 ص102] .وكان يجتمع إلى جوهر كل يوم وخرج إليه يوماً فقام جوهر بين يديه وقد اجتمع الجيش فخاطب الامام الدعاة الذين سيرهم مع جوهر فقال :(( لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر ولتدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب ، ولتنزلن في خرابات ابن طولون وتنبي مدينة تسمى القاهرة)) ثم استعرض الجيش وودع القواد والأمراء ولقد وصف ذلك العرض العسكري العظيم الشاعر الاسماعيلي الفحل ابن هاني حيث يقول في قصيدة طويلة تزيد عن 90 بيتاً يقول مطلعها : رأيـت بعينـي فـوق مـا كنـت أسمـعوقد راعني يـوم مـن الحشـر أروع غـــداة كـــان الأفـــق ســـد بـمـثـلـهفعاد غروب الشمس من حيث تطلع فـلـم أدر إذ سـلـمـت كـيــف أشـيــعولـــم أدر إذ شـيـعــت كــيــف أودع سار القائد جوهر الصقلي فدخل الإسكندرية بلا حرب ثم عمد إلى الفسطاط فهزم من كان بها من العساكر الإخشيدية ووصل إلى مدينة شلقان فعبر منها إلى مصر فدخلها يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان سنة 358هـ بعد العصر وأناخ في موضع القاهرة الآن واختط موضع القصر.وفي اليوم التالي جاء المصريون ليهنئوه فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل.واستمر دخول الجيش مدة سبعة أيام فاستقرت به الدار وجاءته الهدايا فلم يقبل من أحد شيئاً ووزع الصدقة على المستورين والفقراء وخطب في الجامع العتيد باسم الامام المعز وأمر ببناء مدينة القاهرة وضرب النقود باسم الامام المعز وخصص يوم السبت من كل أسبوع لينظر في المظالم بنفسه وأرسل يخبر الامام بفتح مصر فوصلت البشارة إلى المغرب في نصف رمضان سنة 358هـ فسر الامام سروراً عظيماً وأقيمت الأفراح في جميع البلاد وأنشد الشاعر الاسماعيلي ابن هانيء الاندلسي قصيدة من 72 بيتاً يقول في مطلعها : تقول بنى العبـاس هـل فتحـت مصـرفقـل لبنـى العبـاس قـد قضـي الأمـر وقـــد جـــاوز الإسكـنـدريـة جـوهــرتطالـعـه البـشـرى ويقـدمُـه النـصـر وقــد أوفــدت مـصـر إلـيـه وفـودهـاوزيد إلى المعقود من جسرها جسر مكث القائد جوهر في مصر والياً عليها من قبل الامام المعز فنظم شؤونها الداخلية خير تنظيم وكان الغلاء شديداً فعدل الأسعار وحظر بيع الطحين إلا بأشرافه غير أن بعض الطحانين خالفوا الأوامر فأمر بجمعهم في موضع واحد وضرب أحدى عشر رجلاً منهم وطيف بهم وقضى على مروجي الفتن والقلاقل ، وأرسل جيشاً بقيادة جعفر بن فلاح فاستولى على الرملة وطبرية ودمشق وخطب للإمام في حلب وحمص.وفي سنة360هـ هاجم القرامطة في مصر فقاتلهم جوهر قتالاً مريراً حتى هزمهم ونادى في جميع أنحاء البلاد ( من جاء بالقرمطي أو برأسه فله ثلاثة مائة ألف درهم وخمسون خلعة وخمسون سرجاً تحل على دوابها [ اتعاظ الحنفا ص 183] .وغزا الأسطول الاسماعيلي الساحل الفلسطيني فاحتله بكاملة .وفي سنة 361هـ في 22 من شوال غادر الامام المعز بلاد المغرب متجهاً إلى مصر وأرسل كتاباً إلى القائد جوهر الصقلي يعلمه بأنه قد عزم على نقل مقر خلافته إلى القاهرة فتأهب القائد جوهر الصقلي للاحتفال بلقائه.وصل الامام المعز إلى الإسكندرية في 24 شعبان سنة 362هـ ثم سار إلى القاهرة فوصلها في السابع من رمضان وسكن القصر الذي بناه له القائد جوهر الصقلي.وهكذا أصبحت مصراً داراً للخلافة الاسماعيلية وأصبح الامام المعز أول خليفة فاطمي فيها فعمل على ترقية العلوم والثقافة وأمر ببناء جامع الأزهر وجعله داراً للعلوم ومنهلاً للثقافة والفكر ، وشجع العلماء وخصص لهم المبالغ الطائلة فوفدوا عليه من كل قطر حيث وجدوا المساعدات والتشجيع.ووجه الاعتناء الزائد لمكتبة القصر وأشرف بنفسه على تأليف الكتب الاسماعيلية فتقدمت الثقافة الاسماعيلية تقدماً باهراً وازدهرت العلوم فنبغ في عهده شعراء وفلاسفة نهضت على كواهلهم الدعوة الاسماعيلية.واهتم الامام المعز بالتنظيمات الإدارية وأنشأ محكمة للنظر في المظالم ، كما عين الولاة والحكام المشهورين بنزاهتهم وحسن إدارتهم وقضى على الفوضى والمحسوبية والرشوة وعمل على تقوية الجيش وشيد داراً لصنع السفن البحرية وهذا ما جعل الأسطول الاسماعيلي يصبح مفخرة الدول الإسلامية وأعظم أسطول في الشرق .وفاتـــــــه توفي الامام المعز بعد ثلاث سنوات من حكمه في مصر وكان ذلك في الحادي عشر من ربيع الاخر سنة 365هـ كان عمره 46 عاما بعد أن نص على إمامة ولده العزيز ودفن في القاهرة .ونأتي على ذكر بعض رجالات الدعوة الأسماعيلية في عهد هذا الامام نظراً للمكانة التى كانوا يحتلونها في عصره .داعي الدعاة وقاضي القضاة / القاضي النعمان بن أبي عبدالله محمد بن منصور بن حيون التميمي.القائد جوهر الصقلي .الشاعر ابن هانيء الاندلسي .
مولـده ولد الامام علي الظاهر لاعزاز دين الله أبو معد في الثالث من رمضان سنة 395هـ بالقاهرة كان عمره ستة عشر عاما عندما أصبح إماما وخليفة.في عهده تعرضت المملكة المصرية لقحط شديد واستمر عدة سنوات فتفشت المجاعة وانتشرت الأمراض في جميع البلاد وارتفعت أسعار المواد الغذائية وكثر النهب والسلب ، ولكن الامام تيقظ للأمر وعمل على إنقاذ البلاد من الخطر المحدق موزعا الأموال الطائلة والاطمعة والأدوية على أفراد الشعب وضرب بيد من حديد على اللصوص والمارقين العابثين في النظام فاستتب الأمن وتحسنت حالة البلاد ونشطت الزراعة وازهردت الزراعة ووجه عنايته الخاصة لدار العلم الاسماعيلية فنظمها تنظيم دقيق واختار لها الدعاة والمدرسين ذوى الأخلاق الكريمة والعلوم الغزيرة ووزع المتخرجين من تلك الدار في البلاد وخاصة في بغداد وفارس حينما حصل الاختلاف بين الأتراك أنفسهم فاستجاب لدعوتهم خلقا كثير. ألف الامام فرقة خاصة من الشباب الاسماعيلي الأقوياء وجعلهم على أتم الاستعداد لتنفيذ الاومر في كل لحظة وأمر بتلقينهم العلوم وتدريبهم تدريبا فنيا على جميع الأسلحة وفنون القتال . في سنة 418هـ وقع الامام الظاهر مع الإمبراطور الدولة الرومانية وخطب للإمام في العاصمة القسطنطينية . وفي سنة 421هـ أمر بجمع الدعاة والفقهاء والوزراء والقواد ونص بحضورهم بولاية العهد لابنه المستنصر بالله وهو ابن ثمانية أشهر فوزعت العطايا لهذه المناسبة الكريمة وأقيمت الأفراح في جميع أنحاء البلاد.اقتفى الامام الظاهر آثار آبائه الصالحين فاعتنى بدور العلم وشجع العلماء وخصص لهم الأموال ، وعين الجوائز الكثيرة لمن يحفظ كتاب ( دعائم الإسلام ) وكتاب ( مختصر الوزير) من أفراد الرعية فحفظها خلق كثير.وهكذا كان الامام الظاهر خير خلف لأحسن سلف حسن السيرة والسياسة منصفاً للرعية يسعى دائماً لراحة ورفاهية شعبه باذلاً في سبيل ذلك الأموال الطائلة.وفاتـــــــــه توفي في الخامس عشر من شعبان سنة 427هـ ودفن في مقبرة القصر بالقاهرة وكان عمره 32 عاما .
مولـده ولد الامام الحاكم بأمر الله الامام الحسن أبو علي منصور في الثالث من ربيع الأول سنة 375هـ بالقصر الملكي في القاهرة.وأصبح وليا ً للعهد في شعبان سنة 383 هـ وتولى الخلافة والإمامة بعد وفاة أبيه في رمضان سنة 386هـ وكان عمره آنذاك 11 سنة و 5 أشهر و 6 أيام ، قام بواجبه نحو مملكته وأمته خير قيام ووجه اهتمامه الزائد للناحية العلمية فازدهرت الحضارة والثقافة وأضحت مصر منهلا ً لطلاب العلم والمعرفة .كان الامام الحاكم خليفة عظيماً اشتهر بالسخاء والبذل أنشأ ديوان (المنفرد) خاصة لإضافة الأموال المصادرة من الأغنياء والخارجين على القانون إلى أموال الرعية وأصدر في رجب 304ه نظاما ً خاصا ً للبر والعطايا توزع بموجبه الأموال على الفقراء والمعوزين والمحتاجين وقد كثرت الانعامات في عهده على جميع المستحقين فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها فكتب أليه الامام الحاكم بخطه بعد البسملة :الحمد الله كما هو أهله وأصبحت لا أرجو ولا اتقيإلا إلـهــي ولــــه الـفـضــل جـدي النبـي وإمامـي أبــيودينـي الإخــلاص والـعـدل المال مال الله عز وجل والخلق عباد الله ونحن أمناء في الأرض أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام.وأمر بإنشاء دار الحكمة لتكون جامعة علميه ففتحت أبوابها في العاشر من جمادى الأخر سنة 395هـ وأوعز بنقل بعض الكتب الثمينة من مكتبة القصر إلى دار الحكمة ، وأمها الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين ثقافتهم فمنهم من كان يحضر لقراءة الكتب ومنهم من يحضر للنسخ ومنهم من يحضر للتعلم وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق وخصص قسما منها لاجتماع الدعاة والفقهاء لتنظيم الدعوة الاسماعيلية ولإلقاء مجالس الحكمة التأويليه فدخل كثير من الناس في المذهب الاسماعيلي وازدحمت درا الحكمة بالمستجيبين وقيل بان بعض الناس كانوا يموتون من كثرة الازدحام وخصص يومان في الأسبوع لحضور تلك المجالس .وكانت دار الحكمة من أعظم وأفخم المؤسسات العلمية وأرقاها في ذلك العصر وأنفقت عليها الامول الطائلة وفرشت بأحسن الأثاث وزينت بأجمل النقوش وكان الامام يشرف بنفسه على إقامة المناظرات بين العلماء والفقهاء ويهبهم العطايا والمنح .وأجرى الامام الحاكم كثيرا من الإصلاحات والإرشادات ألاجتماعيه كان لها الأثر الكبير في خلق مجتمع قوي وصالح ومؤمن بالقيم الروحية والانسانيه وحرم بيع الخمر وشربها ومنع الرجال من التكسع في الشوارع والوقوف أمام الحوانيت .وفي يوم الاثنين السابع عشر من ربيع الأول سنة 393هـ بدأ في إكمال جامع الأزهر وبنى جامع راشدة وشيد عدة مساجد في مدينة القاهرة وحمل إليها من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر السامانية ما له قيمة طائلة .وفي سنة 403هـ أمر بإحصاء المساجد التى لا علة لها فكانت 830 مسجداً فرصدت لها النفقة اللازمة وفي سنة 405هـ وقفة الضياع والأموال على العلماء والفقهاء والمستشفيات ووزع أمواله الخاصة على المساجد والفقراء ودور العلم .هذا من ناحية التنظيمات الداخلية أما من الناحية الخارجية فقد عين الولاة الموثوقة بهم على الأقاليم والجزر ونظم الدعوة تنظيماً دقيقاً فوزع الدعاة الأكفاء على الجزر والأقاليم والبلدان فانتشرت الاسماعيلية بواستطهم وعظم أمرها ونبغ دعاة وعلماء كان لهم شأن عظيم في نهضة مصر العلمية.ومع هذا لم يخل عهده من الثورات والحروب وكان يرسل الجيوش لقمعها بالشدة والحزم ولقد أرسل جيشاً لقتال الروم في غزة وعسقلان بقيادة خادمه ( يمن ) فقتل من الروم خمسة آلاف ودخل جيشة مدينة (مرعش ) كما قضت جيوش الامام على ثورة أبي ركوة الأموي وعسكره بعد أن قتل منهم ستة آلاف وأسر مئة وقبض على أبي ركوة فأعدم وأرسل جيشاً آخر سنة 400 هـ بقيادة علي بن صالح فاجتاحها واستولى على بلاد فارس في سنة 408هـ استدعى الامام الحاكم كبير دعاته وأحد المقربين إليه الموثوق بهم الداعي الحمرة بن علي الفارسي الملقب بـ( الدرزي ) وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلم رئاسة الدعوة الأسماعيلية فيها ويجعل مقره ( وادي التيم ) لأن الأخبار التى وردت إلى بيت الدعوة تفيد بأن إسماعيلية وادي التيم تسيطر عليهم التفرقة والاختلافات الداخلية حول تولي رئاسة الدعوة هناك ولقبه الإمام ( بسند الهادي ).تمكن الداعي ( الدرزي ) في وقت قليل من السيطرة على الموقف في وادي التيم وإعادة الهدوء والسكينة في البلاد وعمل جاهداً لتوسيع وانتشار الدعوة الاسماعيلية في تلك البلاد.لبث الداعي ( الدرزي ) رئيساً للدعوة الاسماعيلية وكبير لدعاتها في بلاد الشام حتى أعلنت وفاة الامام الحاكم وولاية ابنه الظاهر.لم يعترف ( الدرزي ) بوفاة الامام الحاكم مدعياً بأن وفاته لم تكن سوى نوع من الغيبة لتخليص أنفس مريدي الامام من الأدران وبقى متمسكاً بإمامة الحاكم ومنتظراً عودته من تلك الغيبة وبذلك أعلن إنفصاله عن الاسماعيلية التى لا تعتقد بالغيبة وتقول بفناء الجسم وبقاء سر الإمامة بالروح فينتقل بموجب النص إلى أمام آخر وهو المنصوص عليه من قبل الامام المتوفى.وسميت الفرقة التى تبعت الداعي ( الدرزي ) بالدرزية نسبة إليه .( إن الدرزية والإسماعيلية عقيدتان من أصل واحد شاءت الإرادة السماوية تفريقهما ) .وفاتـــــــــــــــه اعتاد الامام الحاكم كما أسلفنا سابقاً أن يخرج وحيداً لتفقد شؤون مملكته في الليل وللنزهة خارج مدينة القاهرة وفي 27 شوال سنة 411ه وكان عمره 36عاما و خرج الامام كعادته ولم يعد فأعلنت غيبته ووفاته في ذلك التاريخ.وهناك اختلافات كثيرة وآراء متضاربة حول وفاة وغيبة الامام الحاكم والحقيقة التى لا غبار عليها إن وفاة الامام الحاكم لم تكن سوى وفاة طبيعية بعد أن سلم شؤون الامامه لولده الظاهر.وهذه الوفاة حيرت عقول العلماء والمؤرخين الذين لا يزالون حتى الآن يتحرون عن أسبابها وهناك أقوال كثيرة لهم في هذا الشأن لا يمكن الاعتماد على صحتها فإمامنا ينحدر من العترة الطاهرة ويتمتع بالعصمة لا يمكن أن يصدر منه إلا الخير العميم لصالح البشرية جمعاء.كانت حياة الامام الحاكم سلسلة من الأعمال الخيرية والإصلاحات الاجتماعية المتعددة منذ اللحظة التى بدأ بها مسؤوليته إماماً للإسماعيلية وخليفة للمسلمين في مصر وفي عهده تقدمت الثقافة تقدماً عظيماً ونبغ شعراء ودعاة أفذاذ كان لهم الأثر الكثير في انتشار الدعوة الاسماعيلية وازدهار علومها في القرن الرابع عشر ونبغ من المؤلفين الاسماعيليين أمثال :أحمد حميد الدين بن عبدالله الكرماني .القاضي عبد العزيز بن محمد بن النعمان .الفيلسوف أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم.وداعي الدعاة سيدنا افتكين الضيف الداعي السوري أبو الفوارس ابن يعقوب الداعي زياد بن محمد وغيرهم من كبار رجالات المذهب الاسماعيلي .
مولــده ولد الامام معد المستنصر بالله أبو تميم في السادس عشر من رمضان سنة 420هـ في مدينة القاهرة وبويع بالخلافة يوم الأحد في 15 شعبان 427هـ وهو في السابعة من عمره.حصلت في عهده مجاعة دامت سبع سنوات ففقدت المواد الغذائية من الأسواق وارتفعت الأسعار عندئذ اخرج من خزائنه الخاصة الأموال والثياب ووزعها لإعانة الشعب وحاولت بعض البلدان المحكومة الانتفاض ونقض البيعة وإقامة الدعوة للخليفة العباسي فسير عليهم الجيوش وحصلت الحروب والثورات فاستقدم أمير الجيوش بدر بن عبدالله الجمالي واسند إليه منصب الوزارة ولقب بالسيد الأجل كما أسندت إليه رئاسة الدعوة الاسماعيلية.عمل أمير الجيوش جاهداً لإصلاح أحوال البلاد وقضى الثورات فاستقرت الأمور وعم الهدوء والسكينة جميع أنحاء البلاد وتحسنت الحالة الزراعية وهبطت أسعار الحاجيات فعاش الشعب بالرخاء والطمأنينة.عهد الامام المستنصر إلى الداعي علي بن محمد الصليحي بتولي رئاسة الدعوة الإسماعيلية في بلاد اليمن فسار إلى حصن ( حصن مسار ) بخيل جرارة وأخذ يستميل الناس إليه حتى اجتمع من قبائل سنحان وهمدان وحمير خلق كثير فجهزهم لاحتلال عاصمة اليمن ( صنعاء ) مقر دولة ( نجاح ) فاحتلها وقضى على نفوذ دولة نجاح في اليمن وضم إليه قبيلة زبــيــد وخطب للإمام المستنصر في جميع أنحاء اليمن وعلت مكانته فيها وبسط سلطانه على جميع البلاد وأصبحت صنعاء عاصمة له ، يحدثنا القرشي قائلاً : لم يقع لأحد فيمن ملك اليمن ما وقع لعلي بن محمد الصليحي ، فإنه استولى على اليمن سهله وجبله وشماله وغربه وشرقه في المدة اليسيرة وقهر ملوكه وأقام الخطبة للإمام المستنصر وأعيد مجد الاسماعيلية إلى اليمن بعد أن ضعف إثر وفاة ابن حوشب واختلاف بنية من بعده.وعندما حثت الفتنة في مكة سنة 455 هـ عهد الامام الى رئيس دعاته في اليمن الصليحي ليذهب على رأس حملة الى مكة ويقضي على الفتنة.سار الصليحي الى مكة واستمال أهلها وتعاون مع أميرها لنشر الأمن والطمأنينة فيها فطابت قلوب الناس وتدنت أسعار الحاجيات وكسى الصليحي البيت الحرام بثياب بيض.كذلك ارسل الامام المستنصر الداعي الحارث ارسلان البساسيري ليتولى شؤون الدعوة في بغداد فخرج سنة 448هـ يدعو الناس للانضواء تحت العلم الاسماعيلي والاستقاء من معينه الذي لا ينضب فعظم أمره وكبر شانه وأقام الخطبة للامام المستنصر في مساجد بغداد ففر الخليفة العباسي القائم وغادر البلاد وأقيمت الدعوة في البصرة وخطب للامام فيها.وفي سنة 459هـ أغتيل رئيس دعاة اليمن الصليحي بينما كان في طريقه الى البيت الحرام ليؤدي فريضة الحج فأسندت رئاسة الدعوة لولده المكرم أحمد فتغلب على جميع العقبات والمصاعب التى اعترضته وتزوج بداعية صنعاء السيدة الحرة ابنة احمد بن محمد بن جعفر ابن موسى الصليحي وسلمها زمام الامور في اليمن فتفانت هذه الداعية العظيمة في خدمه أمامها وعملت على انتشار الدعوة الاسماعيلية في جميع البلاد المجاورة.وهكذا فإن الدعوة الاسماعيلية في عهد الامام المستنصر كانت منظمة يدير شؤونها دعاة أكفاء علماء كان لهم أكبر الأثر في القضاء على الثورات الداخلية واستئصال الفتن من الجذور فعظم أمرهم وانتشرت عقيدتهم في أغلب البلاد.وفــــــــــاته توفي الامام المستنصر في الثامن عشر من ذو الحجة سنة 487هـ في ليلة الخميس بعد وكان له من العمر 67 عاماً بعد أقضى في الخلافة ستين عاما. بعد ان نص على امامة الامام أحمد المستعلي بالله أبو القاسم .وعند ذلك غادر الامام نزار ولد المستنصر القاهرة بصحبة نخبة رجال دعوته حيث حدث انقسام داخلي في الاسماعيلية فانقسمت إلى فرقين فريق يرى ان الامامة للمستعلي بالله وفريق يرى أن الامامة لأخيه نزار وسميت بالاسماعيلية النزارية .
ولادتـه أبو القاسم أحمد المستعلي ابن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز ابن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبد الله وكانت ولادة المستعلي لعشر ليال بقين من المحرم سنة سبع وستين وأربعمائة بالقاهرة، وبويع في يوم عيد غدير خم، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، ولي الأمر بعد أبيه المستنصر بالديار المصرية والشامية، وفي أيامه اختلت دولتهم، وضعف أمرهم، وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم، وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك والفرنج فإنهم دخلوا الشام ونزلوا على انطاكية في ذي القعدة سنة تسعين وأربعمائة، ثم تسلموها في سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين، وأخذوا معرة النعمان في سنة اثنتين وتسعين وأخذوا البيت المقدس في شعبان سنة اثنتين وتسعين أيضاً، وكان الفرنج قد أقاموا عليه نيفاً وأربعين يوماً قبل أخذه، وكان أخذهم له ضحى يوم الجمعة، وقتل فيه من المسلمين خلق كثير في مدة أسبوع، وقتل في الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، وأخذوا من عند الصخرة من أواني الذهب والفضة مالا يضبطه الوصف، وانزعج المسلمون في جميع بلاد الإسلام بسبب أخذه غاية الانزعاج . وكان الأفضل شاهنشاه المنعوت بأمير الجيوش قد تسلمه من سكمان بن أرتق في يوم الجمعة لخمس بقين من شهر رمضان سنة إحدى وتسعين، وقيل: في شعبان سنة تسع وثمانين، وولي فيه من قبله فلم يكن لمن فيه طاقة بالفرنج فتسلموه منه، ولو كان في يد الأرتقية لكان أصلح للمسلمين، ثم استولى الفرنج على كثير من بلاد الساحل في أيامه، فملكوا حيفا في شوال سنة ثلاث وتسعين، وقيساربة في سنة أربع وتسعين.ولم يكن للمستعلي مع الأفضل حكم، وفي أيامه هرب أخوه نزار إلى الإسكندرية، ونزار هو الأكبر وهو جد أصحاب الدعوة بقلعة آلموت وكان من أمره ما قد شهر، والشرح يطول. وفي هذه السنة وردت الأخبار بما أهل خراسان والعراق والشام عليه من الخلاف المستمر والشحناء والحروب والفساد وخوف بعضهم من بعض لاشتغال الولاة عنهم وعن النظر في أحوالهم بالخلف والمحاربة. وفيها وصل قمص الرها مقدم الافرنج في عسكره المخذول إلى ثغر بيروت فنزل عليه طامعاً في افتتاحه وحاربه وضايقه وطال مقامه عليه ولم يتهيأ فيه مراد فرحل عنه. ووردت مكاتبات فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يلتمس فيها المعونة على دفع ابن صنجيل النازل في عسكره من الافرنج على طرابلس ويستصرخ بالعسكر الدمشقي ويستغيث بهم فأجيب إلى ما التمس ونهض العسكر نحوه وقد استدعى الأمير جناح الدولة صاحب حمص فوصل أيضاً في عسكره فاجتمعوا في عدد دثر وقصدوا ناحية انطرطوس ونهد الافرنج إليهم في جميع وحشدهم وتقارب الجيشان والتقيا هناك فانفل عسكر المسلمين من عسكر المشركين وقتل منهم الخلق الكثير وافل من سلم إلى دمشق وحمص بعد فقده من فقد منهم ووصلوا في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة وفيها وردت الأخبار من ناحية مصر بوفاة المستعلي بالله أمير المؤمنين ابن المستنصر بالله صاحب مصر.وفاتـــــــــــــــه توفي بمصر يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى، وله من العمر ثمان وعشرون سنة وأيام، فكانت مدة ولايته سبع سنين وكسراً.كانت مدة أيامه سبع سنين وشهرين ونقش خاتمه الامام المستعلي بالله أمير المؤمنين.وكان حسن الطريقة جميل السيرة في كافة الأجناد والعسكرية وسائر الرعية لازماً قصره كعادة أبيه المستنصر بالله منكفئاً بالأفضل سيف الاسلام ابن أمير الجيوش فيما يريده بأصالة رأيه وصواب تقديره وامضائه وقام في الأمر بعده ولده أبو علي المنصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد وأخذ له البيعة على الأجناد والأمراء وكافة الرعايا والخدم والأولياء الأفضل السيد أبو القاسم شاهنشاه ابن أمير الجيوش وأجلسه في منصب أبيه عقيب وفاته ولقب بالآمر بأحكام الله وله من العمر خمس سنين وشهر وأربعة أيام، ولم يكن في من تسمى بالخلافة قط أصغر منه ومن المستنصر، وكان المستنصر أكبر من هذا، ولم يقدر يركب وحده الفرس. وقام بتدبير دولته الأفضل ابن أمير الجيوش أحسن قيام.
الأمام الآمر بأحكــــــــام الله ( أبو علي) ولادتـــــــــــــــــه ولدأبو علي المنصور الملقب الآمر بأحكام الله بن المستعلي بن المستنصر سلام الله عليه بالقاهرة سنة 490 وبويع الآمر بالخلافة بالولاية يوم مات أبوه وقام بتدبير دولته الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش وكان وزير والده واستقام له الأمر بحسن تدبير الأفضل وانتظمت به الأحوال على غاية المباغي والآمال وفي هذه السنة خرجت العساكر المصرية من مصر لانجاد ولاة الساحل في الثغور الباقية في أيديهم منها على منازليهم من أحزاب الافرنج ووصلت إلى عسقلان في رجب ولما عرف بغدوين قمص بيت المقدس وصولهم نهض نحوهم في جمعه من الافرنج في تقدير سبعمائة فارس وراجل اختارهم فهجم بهم على العسكر المصري فنصره الله على حزبه المفلول وقتلوا أكثر خيله ورجالته وانهزم إلى الرملة في ثلاثة نفر وتبعوه وأحاطوا به فتنكر وخرج على غفلة منهم وقصد يافا وأفلت منهم فكان قد اختفى في أجمة قصب حين تبع وأحرقت تلك الأجمة ولحقت النار بعض جسده ونجا منها وحصل بيافا فأوقع السيف في أصحابه وقتل وأسر من ظفر به في الرملة من رجاله وأبطاله وحملوا إلى مصر في آخر رجب من السنة. وفي هذا الوقت وصلت مراكب الافرنج في البحر تقدير أربعين مركباً ووردت الأخبار بأن البحر هاج بها واختلفت أرياحه عليها فعطب أكثرها ولم يسلم منها إلا القليل وكانت مشحنةً بالرجال والمال ولما اشتد الآمر وفطن لنفسه قتل الأفضل ، واستوزر المأمون أبت عبيد الله بن أبي شجاع فاتك بن أبي الحسن مختار المعروف بابن فاتك البطائحي،فاستولى هذا الوزير عليه، وقبح سمعته وأساء السيرة، ولما كثر ذلك منه قبض عليه الآمر أيضاً ليلة السبت رابع شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة واستطفى جميع أمواله، ثم قتله في رجب سنة إحدى وعشرين، وصلب بظاهر القاهرة وقتل معه خمسةً من إخوته، أحدهم يقال له المؤتمن، وكان متكبراً متجبراً خارجاً عن طوره، وله أخبار مشهورة.ثم ظهر في مدة القبض على المأمون المصادرات على يد الراهب المسمى أبا شجاع بن قسا، فلم يبق أحد إلا وناله بمكروه من ضرب ونهب مال، وكان هذا الراهب الملعون في ابتداء حاله يخدم ولي الدولة أبا البركات بن يحيى بن أبي الليث ثم اتصل بالآمر وبذل في مصادرة قوم من النصارى مائة ألف دينار، فأطلق يده فيهم، وتسلسل الحال إلى أن عم البلاد جميع رؤساء مصر وقضاتها وكتابها وشهودها وسوقتها إلى أن صادر رجلاً حمالاً فأخذ عشرين ديناراً ثمن جمل باعه لم يكن يملك سواه، وارتفع عنده إلى أن كان يستعمل بتنس ودمياط ملابس مخصوصة من الصوف الأبيض معلمة بالذهب، فكان يلبسها ويلبس فوقها الدماقس والديباج، وكان يتطيب من المسك بعدة من المثاقيل كل يوم، وكان يشم رائحة طيبه من مكان بعيد، وكان يركب الحمر بالسروج المحلاة بالذهب والفضة، ويدخل إلى دهليز القاعة المعروفة بلباس الخطباء بالجامع العتيق بمصر، فيجلس هناك ويستدعي الناس للمصادرة، وأقام كذلك مدة إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين، على يد المقداد الوالي بمصر ثم صلب عند الجسر. ذكر أنه لما قبض على دار الراهب وجد فيها مكان فيه ثمانمائة طراحة جدد لم تستعمل قدرت إلى السقف، هذا نوع واحد فيها مكان قليل الاستعمال فكيف ما عداه من الديباج وأنواع المتاع الفاخر.وفاتـــــــــــــــــه أذن كانت ولادته سلام الله عليه بالقاهرة سنة 490 وتولي وعمره خمس سنين ولما انقضت ايامه خرج من القاهرة ونزل إلى مصر وتوفي سنة 526 بمصر في الثالث من ذي القعدة (فقام) بالامر بعده ابن عمه.
الأمام الطيب أبو القاسم ابن الآمر لاحكام الله ( سابع الأشهــــاد والمتمين ) ولادتـــــــــــه في ربيع الاخر فى عام 524 هـ ولد للآمر ولد سماه أبا القاسم الطيب، فجعل ولي عهده؛ وأمر فزينت القاهرة ومصر، وعملت الملاهي في الإيوانات وأبواب القصور، وكسيت العساكر، وزينت القصور. وأخرج الآمر من خزائنه وذخائره قماشاً ومصاغاً ما بين آلات وأواني من ذهب وفضة وجوهر، فزين بها؛ وعلق الإيوان جميعه بالستور والسلاح. واستمر الحال على هذا أربعة عشر يوماً.وأحضر الكبش الذي يعق به عن المولود، وعليه جل من ديباج، وفي عنقه قلائد الفضة، فذبح بحضرة الخليفة الآمر. وجيء بالمولود فشرف قاضي القضاة ابن ميسر بحمله؛ ونثرت الدنانير على رءوس الناس. ومدت الأسمطة العظيمة بعد ما كتب إلى الفيوم والقيلوبية والشرقية فأحضرت منها الفواكه، وملئ القصر منها ومن غيرها من ملاذ النفوس، وبخر بالعنبر والعود والند حتى امتلأ الجو من دخانه. وعندما توفى والده الآمر باحكام الله تولى بعده الحكم فى الدولة الفاطمية الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد الذى كان كافلا لابن الآمر باحكام الله ولكنه طغى وتجبر وأراد قتل أبو القاسم الطيب حبا فى السلطة وكان الامام صغيرا فقام البعض من الرجال المخلصين بالهروب بهذا الامام فى جنح الليل والخروج من مصر وأخفاءه وهكذا ...ولا أحد يعلم ما حدث له بعد ذلك ولا سنة وفاته لغموض تلك الفتره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق